Jumat, 30 September 2016

Harta dalam Islam



مراجع : تعريف المال لغةً واصطلاحًا - الدرس السابع عشر
ع1:
تعريف المال لغةً واصطلاحًا
ج1:
الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، لَوهْبَة الزُّحَيْلِيّ.
المال بطبيعته محل الملكية إلا إذا وجد مانع من الموانع، وهو في الغالب محل المعاملات المدنية كالبيع والإيجار والشركة والوصية ونحوها. وهو أيضًا عنصر ضروري من ضرورات الحياة أو المعيشة التي لا غنى عنها للإنسان.
لذا سأذكر تعريف المال وأقسامه وما يقبل التملك منه وما لا يقبل، ثم أبين تعريف الملك وأقسامه وخصائص كل قسم.
تعريف المال وإرثه:
تعريف المال: المال في اللغة: كل ما يقتنى ويحوزه الإنسان بالفعل سواء أكان عينًا أم منفعةً، كذهب أو فضة أو حيوان أو نبات أو منافع الشيء كالركوب واللبس والسكنى. أما ما لا يحوزه الإنسان فلا يسمى مالًا في اللغة كالطير في الهواء والسمك في الماء والأشجار في الغابات والمعادن في باطن الأرض.
وأما في اصطلاح الفقهاء ففي تحديد معناه رأيان:
أولًا: عند الحنفية: المال: هو كل ما يمكن حيازته وإحرازه وينتفع به عادة، أي: أن المالية تتطلب توفر عنصرين:
1- إمكان الحيازة والإحراز: فلا يعد مالًا: ما لا يمكن حيازته كالأمور المعنوية مثل العلم والصحة والشرف والذكاء، وما لا يمكن السيطرة عليه كالهواء الطلق وحرارة الشمس وضوء القمر.
2- إمكان الانتفاع به عادة: فكل ما لا يمكن الانتفاع به أصلًا كلحم الميتة والطعام المسموم أو الفاسد، أو ينتفع به انتفاعًا لا يعتد به عادة عند الناس كحبة قمح أو قطرة ماء أو حفنة تراب، لا يعد مالًا؛ لأنه لا ينتفع به وحده. والعادة تتطلب معنى الاستمرار بالانتفاع بالشيء في الأحوال العادية، أما الانتفاع بالشيء حال الضرورة كأكل لحم الميتة عند الجوع الشديد "المخمصة" فلا يجعل الشيء مالًا، لأن ذلك ظرف استثنائي.
وتثبت المالية بتمول الناس كلهم أو بعضهم، فالخمر أو الخنزير مال لانتفاع غير المسلمين بهما. وإذا ترك بعض الناس تمول مال كالثياب القديمة فلا تزول عنه صفة المالية إلا إذا ترك كل الناس تموله.
وقد ورد تعريف المال في المادة "621" من المجلة نقلًا عن ابن عابدين الحنفي وهو: "المال: هو ما يميل إليه طبع الإنسان، ويمكن ادخاره إلى وقت الحاجة، منقولًا كان أو غير منقول".
ولكنه تعريف منتقد؛ لأنه ناقص غير شامل، فالخضروات والفواكه تعتبر مالًا، وإن لم تدخر لتسرع الفساد إليها. وهو أيضًا بتحكيم الطبع فيه قلق غير مستقر؛ لأن بعض الأموال كالأدوية المرة والسموم تنفر منها الطباع على الرغم من أنها مال. وكذلك المباحات الطبيعية قبل إحرازها من صيود ووحوش وأشجار في الغابات تعد أموالًا ولو قبل إحرازها أو تملكها.
ثانيًا: وأما المال عند جمهور الفقهاء غير الحنفية: فهو كل ما له قيمة يلزم متلفه بضمانه. وهذا المعنى هو المأخوذ به قانونًا، فالمال في القانون وهو كل ذي قيمة مالية.
الأشياء غير المادية الحقوق والمنافع:
حصر الحنفية معنى المال في الأشياء أو الأعيان المادية، أي: التي لها مادة وجِرم محسوس. وأما المنافع والحقوق فليست أموالًا عندهم وإنما هي ملك لا مال. وغير الحنفية اعتبروها أموالًا؛ لأن المقصود من الأشياء منافعها لا ذواتها، وهذا هو الرأي الصحيح المعمول به في القانون وفي عرف الناس ومعاملاتهم، ويجري عليها الإحراز والحيازة.
والمقصود بالمنفعة: هو الفائدة الناتجة من الأعيان، كسكنى الدار، وركوب السيارة، ولبس الثوب ونحو ذلك.
وأما الحق: فهو ما يقرره الشرع لشخص من اختصاص يؤهله لممارسة سلطة معينة أو تكليف بشيء. فهو قد يتعلق بالمال كحق الملكية، وحق الارتفاق بالعقار المجاور من مرور أو شرب أو تعلي، وقد لا يتعلق بالمال كحق الحضانة، والولاية على نفس القاصر.
والمنافع، والحقوق المتعلقة بالمال، والحقوق المحضة كحق المدعي في تحليف خصمه اليمين ليست أموالًا عند الحنفية، لعدم إمكان حيازتها بذاتها، وإذا وجدت فلا بقاء ولا استمرار لها؛ لأنها معنوية، وتنتهي شيئًا فشيئًا تدريجيًّا.
وقال جمهور الفقهاء غير الحنفية: إنها تعتبر مالًا، لإمكان حيازتها بحيازة أصلها ومصدرها؛ ولأنها هي المقصودة من الأعيان، ولولاها ما طلبت، ولا رغب الناس بها.
ويترتب على هذا الخلاف بعض النتائج أو الثمرات في الغصب والميراث والإجارة. فمن غصب شيئًا وانتفع به مدة، ثم رده إلى صاحبه، فإنه يضمن قيمة المنفعة عند غير الحنفية، وعند الحنفية: لا ضمان عليه إلا إذا كان المغصوب شيئًا موقوفًا، أو مملوكًا ليتيم، أو معدًّا للاستغلال كعقار معد للإيجار كفندق أو مطعم؛ لأن هذه الأملاك بحاجةٍ شديدةٍ للحفظ ومنع العدوان عليها. وهذا المعنى في الواقع موجود في كل المنافع، فينبغي الإفتاء بالضمان في كل المغصوبات.
والإجارة تنتهي بموت المستأجر عند الحنفية؛ لأن المنفعة ليست مالًا حتى تورث، وغير الحنفية يقولون: لا تنتهي الإجارة بموت المستأجر وتظل باقية حتى تنتهي مدتها. والحقوق لا تورث عند الحنفية كالحق في خيار الشرط أو خيار الرؤية. وتورث عند غير الحنفية.
ع1:
تعريف المال لغةً واصطلاحًا
ج2:
مجلة البحوث الإسلامية، العناصر المكونة لصفة المالية عند الفقهاء، لصالح بن عبد الله اللحيدان، عدد 73.
المطلب الأول: بيان المراد بالمال عند أهل اللغة:
المال مشتق من: "مول" فعينه واو، ويطلق في اللغة على كل ما يملكه الإنسان من الأشياء. وبعضهم يطلقه على الذهب والفضة خاصة، وكانت العرب تطلقه غالبًا على الإبل خاصةً أو على النعم.
والذي يبدو لي: أن مصطلح المال عند العرب تطور استعماله باختلاف الأزمنة، وأنه تأثر أيضًا بالأعراف والبيئات.
وقد أشار إلى هذا ابن الأثير في "النهاية" فقال: "المال: في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم". وهذا يفيد في رأيي ألا يخضع المصطلح الشرعي في المال لأي من هذه الاستعمالات اللغوية بمفرده، وكذلك المصطلح العرفي فلا تحمل ألفاظ الناس في عقودهم ودعاواهم على أي من هذه الاستعمالات، إلا لوجود القرينة التي تفيد مناسبته دون غيره.
قال ابن الأثير: "وقد تكرر ذكر المال على اختلاف مسمياته في الحديث ويفرق فيها بالقرائن".
والمال يجمع على: أموال، وتصغيره: مويل، وهو مذكر ومؤنث، يقال: هو المال، و: هي المال، ومنه قول حسان بن ثابت:
المال تزري بأقوام ذوي حسب           وقد تسود غير السيد المال
ويقال: مال الرجل يمول ويمال مولًا ومئولًا: إذا صار ذا مال، ومثله: تمول، و: مول فلان فلانا إذا أعطاه المال، و: رجل مال: أي: كثير المال كأنه قد جعل نفسه مالًا، وحقيقته: ذو مال ومنه للمرأة: امرأة مالة، وللجمع: مالة ومالون. و: ما أموله: أي: ما أكثر ماله "المصباح المنير"، و"لسان العرب"، الصفحات السابقة.
واشتقاقه كما ذكرت آنفًا من "مول" فعينه واو لا ياء، وهذا ينفي صحة ما يذكره بعضهم من سبب تسميته، قال النووي: "روينا في حلية الأولياء عن سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- قال: سمي المال؛ لأنه يميل القلوب، قلت: وهذه مناسبة في المعنى، وإلا فليس مشتقًّا من ذلك، فإن عين المال واو، والإمالة من الميل ياء، ومن شروط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية".
وإنما يذكره أهل اللغة في مادة: "مول" بالواو.
المطلب الثاني: تعريف الفقهاء للمال:
سأقتصر في هذا المبحث على نقل ما وجدته من تعريفات للفقهاء للمال، مع بيان أهم ملامحها ومحترزاتها بإجمال، تاركًا تحليلَ عناصرها للفصل الثاني والثالث، فإن هذا هو المقصود بالبحث أساسًا.
وقد اختلف تعريفات الفقهاء للمال؛ نظرًا لاختلاف وجهات نظرهم في المعاني الاصطلاحية المرادة منه، وقد ظهر اتجاهان يعكسان وجهة نظر كل منهما:
أحدهما: اتجاه الأحناف.
والآخر: اتجاه الجمهور، كما أثر في تعريفهم للمال اختلاف المأخذ والوجهة التي عرفوه منها، فمنهم من عرفه بصفته، ومنهم من عرفه بوظيفته، ومنهم من عرفه بحكمه... لكن المؤثر الرئيس في اختلافهم والذي كان له أثر حقيقي على الفروع، هو اختلاف الأعراف فيما يعد مالًا وما لا يعد، وذلك أنه ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، فحكم فيه العرف.
ولعلي أسرد شيئًا من تعريفاتهم للمال يتبين فيها ما ذكرته:
أولًا: تعريف الحنفية للمال:
وردت عند فقهاء الحنفية عدة تعريفات للمال، ويلاحظ تباعدها أحيانًا، وذلك لاختلاف المأخذ والوجهة التي عرف المال منها:
- تعريف السرخسي: "والمال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز". "المبسوط" 11 / 79 .
- تعريف آخر في "المبسوط": "ما صح إحرازه على قصد التمول". قاله في سياق كلامه عن خلاف أبي حنيفة وصاحبيه في تقوم رق أم الولد. "المبسوط" 7 / 160.
تعريف "البحر الرائق": "وفي الحاوي القدسي: المال: اسم لغير الآدمي خلق لمصالح لآدمي، وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار". "البحر الرائق" 5 / 277.
- وفي "العناية شرح الهداية": "قال محمد -رحمه الله-: المال كل ما يتملكه الناس من دراهم أو دنانير أو حنطة أو شعير أو حيوان أو ثياب أو غير ذلك". "العناية" 2 / 280.
- تعريف "التقرير والتحبير": "المال ما يصان ويدخر لوقت الحاجة". وفي موضع آخر قال: "المال ما تجري فيه الرغبة والضنة". "التقرير والتحبير" لمحمد بن محمد بن عمر الحنفي: 3 / 173 و1 / 208.
ويلاحظ أنه كان في الأول يتكلم عن المنافع، وفي الثاني عن الكفن يريد نفي المالية عنهما، فعرف المال في كل موضع بحسب غرضه.
- تعريف ابن عابدين: "المراد بالمال: ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة". وقد نقله صاحب "البحر الرائق" أيضًا عن "الكشف الكبير البحر الرائق" 5 / 277. تعريف لابن عابدين أيضًا: "المال: المنتفع به في التصرف على وجه الاختيار". "حاشية رد المحتار" 4 / 502.
- تعريف للسرخسي: "وكل عين ينتفع به -غير الآدمي الحر- فهو مال". "أصول السرخسي".
وعند النظر في هذه التعريفات للحنفية نجدها قد اعتمدت عدة عناصر للمالية، هي:
1- إمكان الإحراز والادخار.
2- قصد التمول، والمراد بالتمول -كما سيأتي لاحقًا- صيانة الشيء وادخاره لوقت الحاجة.
3- ميل الطبع إليه.
4- الانتفاع به.
وعلى هذا فيخرج عن مسمى المالية عدة محترزات، هي:
1- المنافع، حيث لا يمكن ادخارها؛ لأنها أعراض لا تبقى زمانين، فهي في نظرهم ملك لا مال.
2- الدين؛ لعدم إمكان قبضه وإحرازه حقيقة ما دام دينًا.
3- ما لا يتمول لقلته وحقارته، كحبة قمح ونحوها.
4- الميتة والدم؛ لعدم إباحتهما، ولعدم تمولهما، ولعدم ميل الطبع إليهما.
5- ما لا نفع فيه.
ولكن ينبغي التنبيه إلى أن العرف الغالب عند فقهاء الحنفية أن اسم المال ينصرف عند الإطلاق، إلى النقد والعروض خاصة، قال في "الهداية" في باب زكاة النقد والعروض: "باب زكاة المال". وقد علق عليه الكمال بن الهمام بقوله: "ما تقدم أيضًا زكاة مال إلا أن في عرفنا يتبادر من اسم المال النقد والعروض". وقال البابرتي: "والمصنف ذكر المال وأراد غير السوائم على خلاف عرف أهل البادية، فإن اسم المال يقع عندهم على النعم، وعلى عرف الحضر". فإنهم عندهم يقع على غير النعم.
وللعادة أثر في المالية عندهم كغيرهم؛ ولذا قالوا: إن المالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم.
ثانيًا: تعريف المالكية للمال:
تعريف الشاطبي: "وأعني بالمال: ما يقع عليه الملك ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه، ويستوي في ذلك الطعام والشراب واللباس على اختلافها، وما يؤدي إليها من جميع المتمولات". "الموافقات" 2 / 17.
- تعريف القاضي عبد الوهاب: "يقطع في جميع المتمولات التي تتمول في العادة، ويجوز أخذ الأعواض عليها". "الإشراف على مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب البغدادي 2 / 271، ونحوه في "المعونة" 3 / 1421.
- تعريف ابن العربي للمال المعتبر شرعًا حيث قال: "كل ما تمتد إليه الأطماع ويصلح عادةً وشرعًا للانتفاع به". "أحكام القرآن" لابن العربي المالكي 2 / 607، قاله وهو يعرف المسروق، وهذا يخرج المحرم قال: "فإن منع منه الشرع، لم ينفع تعلق الطماعية فيه، ولا يتصور الانتفاع منه كالخمر والخنزير مثل"
وبالنظر إلى هذه التعريفات يلاحظ أنها مسوقة مساق التعريف الذي يميز ولا يحدد، وأهم العناصر المذكورة للمال فيها:
1- التمول عادة.
2- صلاحيته للانتفاع.
3- إباحة الانتفاع به، فيخرج به المحرمات فلا تكون مالًا.
4- إمكان المعاوضة عنه.
ثالثًا: تعريف الشافعية للمال:
تعريف الشافعي -رحمه الله تعالى- جاء في "الأم": "ولا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها -وإن قلت- وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل الفلس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه". "الأم" 5 / 171. وفي موضع آخر: "ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ما له قيمة يتبايع بها، ويكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها -وإن قلت- وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل الفلس وما يشبه ذلك. والثاني: كل منفعة ملكت وحل ثمنها، مثل كراء الدار وما في معناها مما تحل أجرته". "الأم" 5 / 63.
- قال السيوطي: "قال الشافعي -رضي الله عنه-: لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه وإن قلت وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك". "الأشباه والنظائر" للسيوطي ص"327"، وهو نقل لما سبق بتصرف يسير.
- تعريف الزركشي قال: "المال ما كان منتفعًا -أي: مستعدًا- لأن ينتفع به وهو إما أعيان أو منافع". "المنثور" للزركشي 3 / 222.
- قال النووي -رحمه الله تعالى-: "فما لا نفع فيه ليس بمال...". ولعدم المنفعة سببان:
أحدهما: القلة كالحبة والحبتين من الحنطة، والزبيب، ونحوهما، فإن ذلك القدر لا يعد مالًا، ولا ينظر إلى ظهور النفع إذا ضم إليه غيره، ولا إلى ما يفرض من وضع الحبة في فخ، ولا فرق في ذلك بين زمان الرخص والغلاء... وحكى صاحب التتمة وجها: أنه يصح بيع ما لا منفعة فيه لقلته، وهو شاذ ضعيف.
السبب الثاني: الخسة كالحشرات، والحيوان الطاهر ضربان: ضرب ينتفع به فيجوز بيعه كالنعم والخيل... الضرب الثاني: ما لا ينتفع به، فلا يصح بيعه، كالخنافس، والعقارب، والحيات، والفأر، والنمل، ونحوها ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها...". "روضة الطالبين" 3 / 350.
- تعريف السمعاني: "المال ما يميل طباع الناس إليه، ولهذا سُمِّي مالًا، وطباع الناس يميل إلى هذه الأشياء لمنافع تظهر لها في ثاني الحال، فيكون مالًا مثل الأطفال، والجحوش للحمر، والمهر للأفراس".
وبالنظر في هذه التعريفات للشافعية نستخلص عدة عناصر للمالية عند الشافعية وهي:
1- كونه ذا قيمة تلزم متلفه. وهو -فيما يبدو لي- إمكان المعاوضة الذي ذكرناه عند الحنفية والمالكية.
2- الانتفاع به، فيخرج من ذلك: ما لا ينتفع به لقلته أو لخسته، وما لا قيمة له مما يطرحه الناس كما عبر به الشافعي -رحمه الله تعالى-.
ويعني هذا: دخول المنفعة، والدين في مسمى المال.
رابعًا: تعريف الحنابلة للمال:
- تعريف الفتوحي: "ما يباح نفعه مطلقا واقتناؤه بلا حاجة". "منتهى الإرادات" للفتوحي تحقيق عبد الغني عبد الخالق 1 / 256.
- تعريف الحجاوي: "وهو ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة". "الإقناع الحجاوي" 2 / 156.
- تعريف ابن بلبان: "وهو ما فيه منفعة مباحة". "أخصر المختصرات" لابن بلبان الدمشقي تحقيق محمد العجمي: ص 163.
- تعريف ابن قدامة: "وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة". "المقنع" "2 / 5" مع حاشية الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله تعالى-.
وقد علق عليه التنوخي بقوله: "ولو قال المصنف -رحمه الله-: لغير حاجة كان جيدًا؛ لأن اقتناء الكلب يحتاج إليه ولا يضطر إليه". "الممتع في شرح المقنع" للتنوخي.
- جاء في "الإنصاف": "علل المصنف الذي ليس بمال -كقشر الجوز؛ والميتة والخمر- بأنه لا يثبت في الذمة". "الإنصاف" 12 / 207.
وبالنظر إلى هذه التعريفات نستخلص عدة عناصر للمالية عند الحنابلة، وهي:
1- إمكان الانتفاع به.
2- حل الانتفاع مطلقًا، أي: من غير حاجة ولا ضرورة.
ولعل هذا هو ما أراده ابن عابدين الحنفي حين قال: "على وجه الاختيار". في تعريفه الذي أوردته قي تعريفات الحنفية.
3- إمكانية ثبوته في الذمة، ولعل هذا هو ما عبرنا عنه عند الآخرين بإمكان المعاوضة، وبالتمول، فيخرج ما لا يمكن فيه ذلك لقلته كحبة قمح ونحوها.
وعلى ذلك فيخرج من هذا التعريف عدة محترزات، فلا تعد مالًا وهي:
1- ما لا نفع فيه أصلًا كالحشرات، لكن ينبغي أن يلاحظ أن الحال قد اختلف في العصر الحاضر، إذ أصبح كثير من هذه الحشرات يتم الانتفاع بها داخل المختبرات العلمية، حيث تكون محلًّا للتجربة العلمية، ومن خلالها يتم التوصل إلى القوانين والنظريات العلمية التي تساعد في إيجاد الحلول لكثير من الاستفسارات والأسئلة العلمية التي تهم الإنسان... وإما أن تكون هذه الحشرات مصدرًا للمضادات الحيوية والعلاجات التي تعين على القضاء على الأمراض التي تصيب الإنسان، فالسم الذي يتكون في جسم الأفعى يشكل مضادًّا حيويًّا فعالًا، ويوصف علاجًا للقضاء على بعض أنواع الخلايا السرطانية التي تصيب الإنسان.
فإذا ثبت أن مثل هذه الحشرات والحيوانات تشتمل على ما فيه مصلحة الإنسان بالتداوي، ودفع أذى المرض، وهي أمور أذن الشرع بها، فهي لا شك مال إذا حيزت لأجل منفعتها، بل ربما صارت بعض أنواع الحشرات الآن مقصودة بنفسها، تباع وتشترى للقنية، وتكون ذات قيمة، فهذه الأسباب وغيرها تجعل هذه الحشرات مالًا حتى عند الحنابلة في رأيي وما عبر عنه الفقهاء من عدم النفع بها، إنما هو باعتبار زمنهم وما جرت عادة الناس به فيه، والله تعالى أعلم.
2- ما فيه منفعة محرمة كالخمر والخنزير.
3- ما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب.
4- ما فيه منفعة تباح للضرورة كالميتة في حال المخمصة وكالخمر لدفع غصة بها.
5- ما لا يمكن تموله لقلته كحبة بر ونحوها.
6- ما لا يباح اقتناؤه إلا للحاجة كالكلب.
والناظر إلى هذه التعريفات يجد أن للحنفية رأيًا مستقلًّا في تعريف المال، فيما تبقى المذاهب الثلاثة الأخرى متقاربة في تعريفاتها، مما يمكن معه أن نقول: إن للفقهاء في تعريف المال اتجاهين:
الأول: للحنفية.
والثاني: للجمهور.
وأبرز ملامح اتجاه الحنفية انفرادهم بأمرين:
1- أنهم لم يجعلوا إباحة الانتفاع شرعًا شرطًا في المالية، مما ساقهم إلى تقسيم المال إلى متقوم وغير متقوم، بينما اشترط الجمهور إباحة الانتفاع فلم يحتاجوا إلى هذا التقسيم.
2- أنهم اشترطوا إمكان الادخار لوقت الحاجة، فأخرجوا بذلك المنافع ونحوها من أن تكون أموالًا، وخالفهم الجمهور فلم يشترطوا ذلك.
خامسًا: تعريفات المتأخرين:
أ- رجح بعض المتأخرين تعريف المال بأنه: "كل ما يمكن حيازته والانتفاع به على وجه معتاد".
وعليه تتحقق مالية الشيء إذا توفر فيه أمران: إمكان حيازته، وإمكان الانتفاع به ويترتب على ذلك ما يلي:
1- أن ما نحوزه وننتفع به فعلًا يعد مالًا، كالدور، والأراضي، والسيارات، والنقود، والثياب، والحيوانات، ونحوها.
2- أن ما لا نحوزه فعلًا ولكن نتمكن من حيازته يعد مالًا أيضًا، كالسمك في الماء، والطير في الهواء، والحيوان في الفلاة، والمعدن في باطن الأرض.... ونحوها.
ب- أن ما لا نتمكن من حيازته لا يعتبر مالًا وإن كنا ننتفع به فعلًا، مثل ضوء الشمس ونور القمر.
ج- أن ما لا يمكن الانتفاع به على وجه معتاد لا يسمى مالًا وإن حيز بالفعل كقطرة ماء، أو حبة رز، فإن الانتفاع المعتاد هو ما جرت به عادة الناس، ويلائم طبيعة الشيء، ويحقق المنفعة التي خلق من أجلها، فالرز مثلًا منفعته أن يكون غذاء، والحبة منه لا تحقق هذا الغرض، فلا تكون مالًا.
هـ- أن ما منع الشارع الانتفاع به منعًا عامًّا يسري في حق الناس جميعًا لا يعتبر مالًا وإن حازه الإنسان وانتفع به فعلًا كالميتة، وإنما كان الحكم كذلك؛ لأن كون الشيء ينتفع به أو لا ينتفع به حكم شرعي، فإذا أباح الشارع الانتفاع ثبتت ماليته وصار مالًا في نظر الشارع، وما لا فلا.
وأما ما يجوز الانتفاع به في حق البعض دون البعض الآخر فهو مال، كالخمر والخنزير فهي مباحة للذميين". "المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية". د. عبد الكريم زيدان ص "183، 184"..
جاء في "معجم لغة الفقهاء" تعريف المال بأنه: "كل ما يمكن الانتفاع به مما أباح الشرع الانتفاع به في غير حالات الضرورة كل ما يقوم بمال". "معجم لغة الفقهاء" لمحمد رواس قلعه جي "ص 366، 367"..
و- عرفه بعض المعاصرين بتعريف يتفق مع مسلك الجمهور وهو: "ما كان له قيمة مادية بين الناس وجاز شرعًا الانتفاع به في حال السعة والاختيار".
ر- وذهب الدكتور الدبو إلى تفضيل التعريف الأخير؛ لوضوحه، وشموليته، إلا أنه فضل إجراء تعديل طفيف عليه بحيث يكون هكذا: "المال: كل ما له قيمة عرفًا، وجاز الانتفاع به في حال السعة والاختيار".
وشرح تعريفه بقوله:
"فقولنا: كل ما له قيمة عرفًا، يشمل الأعيان، والمنافع بما فيها الهواء إذا ضغط في أنابيب، أو الطاقة الشمسية إذا حيزت في آلات معينة، واستغلت في خدمة بني الإنسان، وكذا الحقوق التي يمكن الاعتياض عنها بمال، كما أنه قيد لإخراج الأعيان والمنافع التي لا قيمةَ لها بين الناس، لتفاهتها كحبة قمح، أو قطرة ماء، وشم رائحة عطر، وما أشبه ذلك.
وقولنا: جاز الانتفاع به شرعًا، قيد لإخراج ما حرم الشرع الانتفاع به كالميتة والخمر والخنزير. والنص على الانتفاع في حال السعة والاختيار قيد لبيان أن المقصود بالانتفاع، هو الانتفاع المشروع في حال السعة والاختيار دون حالة الضرورة، فجواز الانتفاع بلحم الميتة أو بالخمر أو غيرهما من الأعيان المحرمة لا يمكن اعتبارها مالًا في نظر الشريعة، إذ أن جواز الانتفاع بها مقصور على حالة الضرورة فلا تعتبر هذه الأعيان أموالًا؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها". "ضمان المنافع" للدكتور إبراهيم فاضل الدبو: ص "228، 229".
ز- رجح بعض المتأخرين أن المالية ليست إلا صفة للأشياء، بِناءً على تحول الناس، واتخاذهم إياها مالا ومحلا لتعاملهم، فإذا دعتهم حاجتهم إلى ذلك فمالت إليه طباعهم، وكان في الإمكان التسلط عليه، والاستئثار به، ومنعه من الناس صار مالًا، ولا يلزم كونه مادة تدخر لوقت الحاجة، بل يكفي أن يكون الحصول عليها ميسورًا غير متعذر عند الحاجة إليه. وذلك متحقق في المنافع وفي كثير من الحقوق، فإذا تحقق ذلك فيها عدت من الأموال بناء على عرف الناس وتعاملهم.
ع2:
أقسام المال في الفقه الإسلامي، والآثار المترتبة على هذه التقسيمات المختلفة
ج1:
الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُه، لوَهْبَة الزُّحَيْلِيّ.
أقسام المال:
قسم الفقهاء المال عدة تقسيمات يترتب عليها أحكام مختلفة بحسب كل قسم، وأكتفي ببيان أربعة تقسيمات، أوضحها القانون المدني:
1- باعتبار إباحة الانتفاع وحرمته إلى: متقوم وغير متقوم.
2- باعتبار استقراره في محله وعدم استقراره إلى: عقارٍ ومنقول.
3- باعتبار تماثل أحاده أو أجزائه وعدم تماثلها إلى: مثلي وقيمي.
4- باعتبار بقاء عينه بالاستعمال وعدم بقائه إلى: استهلاكي واستعمالي.
المطلب الأول: المال المتقوم وغير المتقوم:
المال المتقوم: كل ما كان محرزًا بالفعل، وأباح الشرع الانتفاع به كأنواع العقارات والمنقولات والمطعومات ونحوها.
وغير المتقوم: ما لم يحرز بالفعل، أو ما لا يباح الانتفاع به شرعًا إلا في حالة الاضطرار.
مثال الأول: السمك في الماء والطير في الهواء والمعادن في باطن الأرض ونحوها من المباحات كالصيد والحشيش فهي غير متقومة عرفًا.
ومثال الثاني: الخمر والخنزير بالنسبة للمسلم غير متقومين شرعًا، فلا يباح للمسلم الانتفاع بهما إلا عند الضرورة وبقدر الضرورة كدفع خطر جوع شديد أو عطش شديد يخشى معه الهلاك، ولا يجد الإنسان شيئًا آخر سواهما، فيباح له الانتفاع بأحدهما بقدر ما يدفع الهلاك عن نفسه.
أما بالنسبة لغير المسلم فهما من الأموال المتقومة عند فقهاء الحنفية؛ لأننا أمرنا بتركهم وما يدينون. فلو أتلفهما مسلم أو غير مسلم وجب عليه ضمانهما. وقال غير الحنفية: لا يعتبران مالًا متقومًا؛ لأن غير المسلمين المقيمين في بلادنا ملزمون بأحكام المعاملات الإسلامية، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.
وتظهر فائدة هذا التقسيم في موضعين:
الأول: صحة التعاقد عليه وعدمها: فالمتقوم يصح أن يكون محلًّا لجميع العقود التي ترد على المال كالبيع والإيجار والهبة والإعارة والرهن والوصية والشركة ونحوها. وغير المتقوم: لا يصح التعاقد عليه بشيء من تلك العقود، فيعد بيع المسلم خمرًا أو خنزيرًا بيعًا باطلًا، ولو اشترى المسلم بخمر أو خنزير كان الشراء فاسدًا، وسبب التفرقة بين الحالتين أن المبيع هو المقصود الأصلي من البيع، فتقومه شرط انعقاد. وأما الثمن فهو وسيلة لا يقصد لذاته، فتقومه شرط صحة.
الثاني: الضمان عند الإتلاف: إذا أتلف إنسان مالًا متقومًا لغيره وجب عليه ضمان مثله إن كان مثليًا، أو قيمته إن كان قيميًّا. أما غير المتقو م فلا يضمن بالإتلاف إذا كان لمسلم. فلو أراق أحد خمرًا لمسلم أو قتل خنزيرًا له، لا يضمنه. أما لو أتلفه أحد لذمي -أي: غير مسلم مقيم في دار الإسلام- ضمن له قيمته عند الحنفية، لأنه مال متقوم عندهم، كما تقدم.
التقوم وعدمه عند القانونيين:
يختلف معنى التقوم وعدمه بين الشرعيين والقانونيين، فهو عند الشرعيين كما عرفنا: ما يباح الانتفاع بها، شرعًا، أو ما لا يباح ذلك.
وأما عند القانونيين: فالتقوم: ما كان ذا قيمة بين الناس. وعدم التقوم: هو خروج الأشياء عن التعامل بطبيعتها أو بحكم القانون. فالأولى: هي التي يشترك كل الناس في الانتفاع بها، ولا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها، كالهواء والبحار وأشعة الشمس. والثانية: هي الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون كالمخدرات الممنوعة والمواد الحربية المتفجرة، وكل الأشياء المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة أو المخصصة للنفع العام بالفعل. وقد أخذت فكرة التقوم وعدمه من مفهوم المادة "38" من القانون المدني التي تنص على ما يأتي:
1- كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلًا للحقوق المالية.
2- والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها، وأما الخارجة بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلًّا للحقوق المالية.
يتبين من ذلك أن فكرة التقوم وعدمه تنبني في القانون على جواز التعامل في الشيء وعدم جوازه قانونًا. فالخمر مثلًا يجوز التعامل بها في القانون ولا يجوز التعامل بها في الشرع.
المطلب الثاني: العقار والمنقول:
للفقهاء اصطلاحان في بيان المقصود من العقار والمنقول، أحدهما: للحنفية، والآخر: للمالكية.
رأي الحنفية المنقول: هو ما يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر، سواء أبقي على صورته وهيئته الأولى، أم تغيرت صورته وهيئته بالنقل والتحويل ويشمل النقود والعروض التجارية وأنواع الحيوان والمكيلات والموزونات. والعقار: هو الثابت الذي لا يمكن نقله وتحويله أصلًا من مكان إلى آخر كالدور والأراضي.
ويلاحظ أن البناء والشجر والزرع في الأرض لا تعد عقارًا عند الحنفية إلا تبعًا للأرض، فلو بيعت الأرض المبنية أو المشجرة أو المزروعة طبقت أحكام العقار على ما يتبع الأرض من البناء ونحوه. أما لو بيع البناء وحده أو الشجر وحده من غير الأرض فلا يطبق عليهما حكم العقار. فالعقار عند الحنفية لا يشمل إلا الأرض خاصة. والمنقول يشمل ما عداها.
رأي المالكية: ضيق المالكية من دائرة المنقول ووسعوا في معنى العقار، فقالوا: المنقول: هو ما أمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر مع بقائه على هيئته وصورته الأولى كالملابس والكتب والسيارات ونحوها. والعقار عندهم: هو ما لا يمكن نقله وتحويله أصلًا كالأرض، أو أمكن تحويله ونقله مع تغيير صورته وهيئته عند النقل والتحويل كالبناء والشجر. فالبناء بعد هدمه يصير أنقاضًا، والشجر يصبح أخشابًا.
وهذا الرأي هو المتفق مع القانون المدني السوري، كما نصت المادة 48/1: "كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه، لا يمكن نقله منه، دون تلف، فهو عقار، وكل ماعدا ذلك من شيء فهو منقول".
لكن توسع القانون في معنى العقار في الفقرة الثانية من هذه المادة، فأدخل فيه المنقولات التي يضعها صاحبها في عقار يملكه لخدمة هذا العقار أو استثماره، حتى السماد والسمك، وسماها -عقارًا بالتخصيص- وهذا سائغ في مذهب المالكية. وأدخل فيه أيضًا في المادة "85" الحقوق العينية المترتبة على العقار كحقوق الارتفاق والتأمينات، حتى الدعوى المتعلقة بحق عيني على عقار. واعتبار هذه الدعوى عقارًا فيه إغراق في تصور معنى العقار.
هذا وقد يتحول المنقول إلى عقار وبالعكس:
مثال الأول: الأبواب والأقفال وتمديدات الماء والكهرباء تصبح عقارًا باتصالها بالعقار على نحو ثابت.
ومثال الثاني: أنقاض البناء وكل ما يستخرج من الأرض من معادن وأحجار وتراب، تصبح منقولًا بمجرد فصلها عن الأرض.
وتظهر فائدة تقسيم المال إلى عقار ومنقول في طائفة من الأحكام الفقهية التالية:
1- الشفعة: تثبت في المبيع العقار، ولا تثبت في المنقول، إذا بيع مستقلًا عن العقار، فإن بيع المنقول تبعًا للعقار ثبت فيهما الشفعة. وكذلك بيع الوفاء: يختص بالعقار دون المنقول.
2- الوقف: لا يصح عند الحنفية خلافًا لجمهور الفقهاء إلا في العقار. أما المنقول فلا يصح وقفه إلا تبعًا للعقار كوقف أرض وما عليها من آلات وحيوان، أو ورد بصحة وقفه أثر عن السلف كوقف الخيل والسلاح، أو جرى العرف بوقفه كوقف المصاحف والكتب وأدوات الجنازة. ويصح عند غير الحنفية وقف العقار والمنقول على السواء.
3- بيع الوصي مال القاصر: ليس للوصي بيع عقار القاصر إلا بمسوغ شرعي كإيفاء دين أو دفع حاجة ضرورية أو تحقيق مصلحة راجحة. وقد أنيط ذلك بإذن القاضي في قانون الأحوال الشخصية؛ لأن بقاء عين العقار فيه حفاظ على مصلحة القاصر أكثر من حفظ ثمنه.
أما المنقول: فله أن يبيعه متى رأى مصلحة في ذلك. وفي بيع مال المدين المحجوز عليه لوفاء دينه يبدأ أولًا ببيع المنقول، فإن لم يفِ ثمنه انتقل إلى العقار؛ تحقيقًا لمصلحة المدين.
4- يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافًا لبقية الفقهاء بيع العقار قبل قبضه من المشتري، أما المنقول فلا يجوز بيعه قبل القبض أو التسليم؛ لأن المنقول عرضة للهلاك كثيرًا بعكس العقار.
5- حقوق الجوار والارتفاق تتعلق بالعقار، دون المنقول.
6- لا يتصور غصب العقار عند أبي حنيفة وأبي يوسف، إذ لا يمكن نقله وتحويله، ويرى محمد وسائر الفقهاء إمكان غصب العقار، والرأي الأول أخذت به المجلة. أما المنقول فيتصور غصبه باتفاق الفقهاء.
المطلب الثالث: المال المثلي والقيمي:
المال المثلي: ما له مثل أو نظير في الأسواق من غير تفاوت في أجزائه أو وحداته تفاوتًا يعتد به في التعامل. والأموال المثلية أربعة أنواع هي: المكيلات كالقمح والشعير، والموزونات كالقطن والحديد، والعدديات المتقاربة في الحجم كالجوز والبيض، وبعض أنواع الذرعيات -التي تباع بالذراع أو المتر ونحوهما-: وهي التي تتساوى أجزاؤها دون فرق يعتد به، كأثواب الجوخ والقطن والحرير، وألواح البلور، والأخشاب الجديدة.
أما إن تفاوتت أجزاء المذروع كالنسيج غير المتماثل الأجزاء وكالأراضي، فيصبح مالًا قيميًّا لا مثليًّا. وكما يعد المعدود المتقارب من المحصولات الطبيعية من المال المثلي، كذلك يعد المعدود المتماثل من المصنوعات من مادة واحدة وشكل واحد مالًا مثليًّا كأواني الأكل والشرب، والسيارات المتحدة النوع، وأدوات غيارها، والكتب الجديدة المطبوعة.
والمال القيمي: هو ما ليس له نظير أو مثل في السوق، أو له مثل ولكن مع التفاوت المعتد به بين وحداته في القيمة، مثل أفراد الحيوان والأراضي والأشجار والدور وأنواع السجاد والبسط والأحجار الكريمة كالماس والياقوت والكتب المخطوطة أو المستعملة.
ويدخل في المال القيمي: العدديات المتفاوتة القيمة في آحادها كالبطيخ والرمان عند اختلاف أحجامها وأنواعها.
وقد ينقلب المال المثلي قيميًّا وبالعكس، وحالات انقلاب المثلي قيميًّا أربعة هي:
1- الانقطاع من السوق: إذا انقطع وجود المال المثلي من الأسواق انقلب قيميًّا.
2- الاختلاط: إذا اختلط مالان مثليان من جنسين مختلفين كحنطة وشعير، صار الخليط قيميًّا.
3- التعرض للخطر: إذا تعرض المال المثلي للخطر كالحريق أو الغرق، صار له قيمة خاصة.
4- التعيب أو الاستعمال: إذا تعيب المال المثلي أو استعمل، صار له قيمة خاصة.
وانقلاب المال القيمي إلى مثلي يكون في حال الكثرة بعد الندرة، فإذا كان المال نادر الوجود في السوق، ثم أصبح كثير الوجود، صار مثليًّا بعد أن كان له قيمة خاصة.
ويلاحظ أن المال المتقوم أعم من القيمي، فالمتقوم يشمل القيمي والمثلي.
وتظهر فائدة التقسيم إلى مثلي وقيمي فيما يأتي:
1- الثبوت في الذمة: يثبت المال المثلي دينًا في الذمة، أي: بأن يكون ثمنًا في البيع، عن طريق تعيين جنسه وصفته. ويصح بالتالي وقوع المقاصة بين الأموال المثلية.
أما القيمي: فلا يقبل الثبوت دينًا في الذمة، فلا يصح أن يكون ثمنًا، ولا تجري المقاصة بين الأموال القيمية. وإذا تعلق الحق بمال قيمي كرأس غنم أو بقر، يجب أن يكون معينًا بذاته، متميزًا عن سواه، بالإشارة إليه منفردًا، لا مشارًا إليه بالوصف؛ لأن أفراد المال القيمي ولو من نوع واحد غير متماثلة، ولكل واحد منها صفة وقيمة معينة.
2- كيفية الضمان عند التعدي أو الإتلاف: إذا أتلف شخص مالًا مثليًّا، مثل كمية من القمح أو السكر، وجب عليه ضمان مثله، حتى يكون التعويض على أكمل وجه، والمثل أقرب إلى الشيء المتلف صورة ومعنى، أي: مالية. أما القيمي فيضمن المتعدي قيمته؛ لأنه يتعذر إيجاب مثله صورة، فيكتفى بإيجاب مثله معنى، أي: من ناحية المالية، وهي القيمة.
3- القسمة الجبرية وأخذ النصيب: تدخل القسمة جبرًا في المال المثلي المشترك، ولكل شريك أخذ نصيبه في غيبة الآخر دون إذنه. أما القيمي: فلا تدخل فيه القسمة الجبرية، ولا يجوز للشريك أخذ نصيبه في غيبة الآخر بدون إذنه؛ لأن القسمة فيها معنى الإفراز والمبادلة، فإذا كان المال مثليًّا كانت جهة الإفراز هي الراجحة لتماثل أجزائه. وإذا كان قيميًّا كانت جهة المبادلة هي الراجحة لعدم تماثل أجزائه، فكأنه أخذ بدل حقه لا عينه.
4- الربا: الأموال القيمية لا يجري فيها الربا المحرم، فيجوز بيع غنمة بغنمتين، أي: يجوز بيع القليل بالكثير من جنسه. أما الأموال المثلية فيجري فيها الربا الحرام الذي يوجب تساوي العوضين المتجانسين في الكمية والمقدار، وتكون الزيادة حرامًا. فلا يجوز بيع قنطار من القمح بقنطار وربع مثلًا، لاشتمال البيع على ما يسمى بربا الفضل، وهذا الربا يختص شرعًا بالمقدرات المثلية من مكيل أو موزون فقط.
الذمة المالية، وخصائصها:
لا يتصور ثبوت دين على إنسان إلا بتصور محل اعتباري مفترض مقدر وجوده في كل إنسان. وهذا المحل المقدر المفترض هو الذمة، فالذمة تختلف عن الأهلية، إذ أن الأهلية: هي صلاحية الشخص لثبوت الحقوق له وتحمل الواجبات. وتحمل الواجبات أو الالتزامات يستلزم وجود محل في الشخص تستقر فيه تلك الواجبات أو الديون. وتبدأ الأهلية ناقصة منذ بدء تكون الجنين، وتكمل أهلية الوجوب بالولادة.
وبالولادة تبدأ الذمة مع بدء تصور وجود العنصر الثاني من تلك الأهلية: وهو عنصر المديونية أو الالتزام، فالأهلية هي الصلاحية، والذمة محل الصلاحية.
فالذمة: هي محل اعتباري في الشخص تقع فيه الديون أوالالتزامات.
أولًا: خصائص الذمة:
للذمة الخصائص التالية:
1- الذمة من صفات الشخصية الطبيعية وهو الإنسان أو الاعتبارية كالشركات والمؤسسات والأوقاف والمساجد. فلا ذمة للجنين قبل ولادته، فلا تصح الهبة له، لكن تصح الوصية له بشرط ولادته حيًّا، ولا ذمة للحيوان، فلو أوصى شخص لدابة وقصد تمليكها فالوصية باطلة، لكن لو كان بقصد الإنفاق عليها صحت الوصية، ويكون المقصود بها مالكها. ولا يتعين صرف الموصى به للنفقة على الدابة عند الحنفية، ويتعين ذلك لعلف الدابة عند الشافعية.
2- لا بد لكل شخص بعد ولادته من ذمة، حتى ولو كانت فارغة بريئة؛ لأن الذمة من توابع الشخصية، وتلازم العنصر الثاني من أهلية الوجوب، وهذه الأهلية مناطها الصفة الإنسانية، فتلازم الإنسان منذ وجوده.
3- لا تتعدد الذمة، فلكل شخص ذمة واحدة، ولا اشتراك بين أشخاص في الذمة.
4- الذمة لا حدّ لسعتها، فهي تتسع لكل الديون مهما عظمت؛ لأن الذمة ظرف اعتباري، يتسع لكل الالتزامات.
5- الذمة متعلقة بالشخص، لا بأمواله وثروته، ليتمكن من ممارسة نشاطه الاقتصادي بحرية مطلقة تمكنه من تسديد ديونه، فله التجارة والبيع ولو كان مدينًا بأكثر مما يملك. وله وفاء أي دين متقدم أو متأخر في الثبوت. ولا يحق للدائنين الاعتراض عليه.
6- الذمة ضمان عام لكل الديون بلا تمييز لدين على آخر إلا إذا وجد لصاحب دين حق عيني كالرهن، أو كانت بعض الحقوق الشخصية ذات امتياز كنفقات التجهيز والتكفين، ودين النفقة للزوجة والأولاد الصغار، وديون الضرائب الحكومية.
ثانيًا: انتهاء الذمة:
تبدأ الذمة بالولادة وتنتهي بالوفاة، وللفقهاء آراء ثلاثة في انتهاء الذمة:
الرأي الأول -للحنابلة في رواية عندهم-: انهدام الذمة بمجرد الموت؛ لأن الذمة من خصائص الشخصية، والموت يعصف بالشخص وبذمته. وأما الديون فتتعلق عند أكثر الحنابلة بالتركة، فمن مات ولا تركة له سقطت ديونه.
الرأي الثاني -للمالكية والشافعية وبعض الحنابلة-: بقاء الذمة بعد الموت حتى إيفاء الديون وتصفية التركة: تبقى الذمة بعد الموت حتى تصفى الحقوق المتعلقة بالتركة. فيصح للميت اكتساب حقوق جديدة بعد موته كان سببًا لها، كمن نصب شبكة للاصطياد، فوقع فيها حيوان، فإنه يملكه، وتظل ذمة الميت باقية بعد موته حتى تسدد ديونه، لقوله عليه السلام: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه.
ويمكن أن تشغل ذمة الميت بعد موته بديون جديدة، كشغلها بثمن المبيع الذي رده المشتري على البائع بعد موته بسبب عيب ظهر فيه. وكالتزامه بضمان قيمة ما وقع في حفرة حفرها الشخص قبل موته، في الطريق العام. وتصح الكفالة بعد الموت بما على الميت المفلس من ديون؛ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلم- صحح هذه الكفالة. وتصح عند المالكية لا الشافعية والحنابلة الوصية لميت. ويقتصر أثر الموت في هذا الرأي على عدم مطالبة الميت بالحقوق، وإنما يطالب ورثته بأداء الحقوق لأصحابها.
الرأي الثالث -للحنفية-: ضعف الذمة:
إن الموت لا يهدم الذمة، لكن يضعفها، فتبقى بقدر الضرورة لتصفية الحقوق المتعلقة بالتركة التي لها سبب في حال الحياة. فيكتسب الميت بعد موته ملكية جديدة كما في صورة نصب الشبكة للصيد، ويلتزم بالديون التي تسبب بها الشخص قبل موته، كرد المبيع المعيب عليه والتزامه بالثمن، وضمان ما وقع في حفرة حفرها في الطريق العام. لكن لا تصح كفالة دين على ميت مفلس عند أبي حنيفة خلافًا للصاحبين. ولا تصح الوصية للميت أو الهبة له. وبهذين الحكمين الأخيرين يفترق الرأي الثالث عن الرأي الثاني.
المطلب الرابع: المال الاستهلاكي والاستعمالي:
المال الاستهلاكي: هو الذي لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه، كأنواع الطعام والشراب والحطب والنفط والورق والنقود. فلا يمكن الانتفاع بهذه الأموال ما عدا النقود إلا باستئصال عينها. وأما النقود فاستهلاكها يكون بخروجها من يد مالكها، وإن كانت أعيانها باقية بالفعل.
والمال الاستعمالي: هو ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالعقارات والمفروشات والثياب والكتب ونحوها.
وينظر إلى الانتفاع المميز بين النوعين لأول مرة، لا إلى حالات الاستعمال المتكررة. فإن زالت عين الشيء من أول انتفاع كان مالًا استهلاكيًا، وإن بقيت عينه حينئذ كان مالًا استعماليًّا.
وتظهر فائدة التقسيم فيما يأتي:
يقبل كل نوع من هذين المالين نوعًا معينًا من العقود. فالمال الاستهلاكي يقبل العقود التي غرضها الاستهلاك لا الاستعمال كالقرض وإعارة الطعام. والمال الاستعمالي يقبل العقود التي هدفها الاستعمال دون الاستهلاك كالإجارة والإعارة.
فإن لم يكن الغرض من العقد هو الاستعمال وحده أو الاستهلاك وحده، صح أن يرد على كلا النوعين - الاستعمالي والاستهلاكي- كالبيع والإيداع، يصح ورودهما على كل من النوعين على السواء.
ع2:
أقسام المال في الفقه الإسلامي، والآثار المترتبة على هذه التقسيمات المختلفة
ج2:
الموسوعة الفقهية الكويتية، لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت.
أقسام المال:
قسّم الفقهاء المال تقسيماتٍ كثيرةً بحسب الاعتبارات الفقهيّة المتعدّدة، وذلك على النّحو التّالي:
أ- بالنّظر إلى التّقوم:
لم يجعل الحنفيّة من عناصر الماليّة إباحة الانتفاع شرعًا، واكتفوا باشتراط العينيّة والانتفاع المعتاد وتمول النّاس في اعتبار الشّيء مالًا، وقد حداهم التزام هذا المفهوم للمال إلى تقسيمه إلى قسمين: متقوّمٍ، وغير متقوّمٍ.
فالمال المتقوّم عندهم: هو ما يباح الانتفاع به شرعًا في حالة السّعة والاختيار.
والمال غير المتقوّم: هو ما لا يباح الانتفاع به في حالة الاختيار، كالخمر والخنزير بالنّسبة للمسلم. أما بالنّسبة للذّمّيّين فهي مال متقوّم؛ لأنّهم لا يعتقدون حرمتها ويتموّلونها، وقد أمرنا بتركهم وما يدينون.
وقد بنوا على ذلك التّقسيم: أنّ من اعتدى على مالٍ متقوّمٍ ضمنه، أمّا غير المتقوّم فالجناية عليه هدر، ولا يلزم متلفه ضمان. كما أنّ إجازة التّصرف الشّرعيّ بالمال منوطة بتقومه، فالمال المتقوّم يصح التّصرف فيه بالبيع والهبة والوصيّة والرّهن وغيرها.
أمّا غير المتقوّم فلا يصح التّصرف فيه شرعًا بأيّ نوعٍ من هذه التّصرفات ونحوها. على أنّه لا تلازم بين التّقوم بهذا المعنى وبين الماليّة في نظر الحنفيّة، فقد يكون الشّيء متقوّمًا، أي: مباح الانتفاع، ولا يكون مالًا، لفقدان أحد عناصر الماليّة المتقدّمة عندهم، وذلك كالحبّة من القمح والكسرة الصّغيرة من فتات الخبز والتراب المبتذل ونحو ذلك.
نقل ابن نجيمٍ عن طالكشف الكبير": الماليّة تثبت بتمول النّاس كافّةً أو بعضهم، والتّقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعًا، فما يباح بلا تمولٍ لا يكون مالًا، كحبّة حنطةٍ، وما يتموّل بلا إباحة انتفاعٍ لا يكون متقوّمًا كالخمر، وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما كالدّم.
قال ابن عابدين: وحاصله: أنّ المال أعم من المتقوّم؛ لأنّ المال ما يمكن ادّخاره ولو غير مباحٍ كالخمر، والمتقوّم ما يمكن ادّخاره مع الإباحة، فالخمر مال، لا متقوّم.
ويرى الحنفيّة من جهةٍ أخرى أنّ عدم التّقوم لا ينافي الملكيّة، فقد تثبت الملكيّة للمسلم على مالٍ غير متقوّمٍ، كما لو تخمّر العصير عنده، أو عنده خمر أو خنزير مملوكين له وأسلم عليهما، ومات قبل أن يزيلهما وله وارث مسلم فيرثهما، واصطاد الخنزير، وذلك لأنّ الملكيّة تثبت على المال، والماليّة ثابتة في غير المتقوّم، ولكنّ عدم التّقوم ينافي ورود العقود من المسلم على المال غير المتقوّم.
وقد يراد أحيانًا بالمتقوّم على ألسنة فقهاء الحنفيّة معنى المحرز، حيث إنّهم يطلقون مصطلح غير المتقوّم أيضًا على المال المباح قبل الإحراز، كالسّمك في البحر، والأوابد من الحيوان، والأشجار في الغابات، والطّير في جوّ السّماء، فإذا اصطيد أو احتطب صار متقوّمًا بالإحراز.
أما جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة الحنابلة فقد اعتبروا إباحة الانتفاع عنصرًا من عناصر الماليّة، فالشّيء إذا لم يكن مباح الانتفاع به شرعًا فليس بمال أصلًا، ولذلك لم يظهر عندهم تقسيم المال إلى متقوّمٍ وغير متقوّمٍ بالمعنى الّذي قصده الحنفيّة، وهم إذا أطلقوا لفظ المتقوّم أرادوا به ما له قيمة بين النّاس وغير المتقوّم ما ليس له قيمةً في عرفهم.
وعلى ذلك جاء في شرح الرّصّاع على حدود ابن عرفة: أنّ المعتبر في التّقويم إنّما هو مراعاة المنفعة الّتي أذن الشّارع فيها، وما لا يؤذن فيه فلا عبرة به، فلا تعتبر قيمته، لأنّ المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًّا.
وعلى ذلك فلم يعتبر جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والحنابلة الخمر والخنزير في عداد الأموال أصلًا بالنّسبة للمسلم والذّمّيّ على حدٍّ سواءٍ، ولم يوجبوا الضّمان على متلفهما مطلقًا، في حين عدّهما الحنفيّة مالًا متقوّمًا في حقّ الذّمّيّ، وألزموا متلفهما مسلمًا كان أم ذمّيًا الضّمان.
وقد وافق المالكيّة الحنفيّة في وجوب الضّمان على متلف خمر الذّمّيّ، لاعتباره مالًا في حقّ الذّمّيّ لا في حقّ المسلم عندهم، دون أن يوافقوا الحنفيّة على تقسيمهم المال إلى متقوّمٍ وغير متقوّمٍ بالمعنى الّذي أرادوه.
ب- بالنّظر إلى كونه مثليًا أو قيمي:
قسّم الفقهاء المال إلى قسمين: مثليٍّ، وقيميٍّ.
فالمال المثلي: هو ما يوجد مثله في السوق بدون تفاوتٍ يعتد به.
وهو في العادة: إمّا مكيل -أي: مقدّر بالكيل- كالقمح والشّعير ونحوهما، أو موزون كالمعادن من ذهبٍ وفضّةٍ وحديدٍ ونحوها، أو مذروع كأنواع من المنسوجات الّتي لا تفاوت بينها، أو معدود كالنقود المتماثلة والأشياء الّتي تقدّر بالعدد، وليس بين أفرادها تفاوت يعتد به، كالبيض والجوز ونحوهما.
والمال القيمي: هو ما لا يوجد له مثل في السوق، أو يوجد لكن مع التّفاوت المعتدّ به في القيمة، وقد سمّي هذا النّوع من الأموال قيميًا نسبةً للقيمة الّتي يتفاوت بها كل فردٍ منه عن سواه.
ومن أمثلة القيميّ: كل الأشياء القائمة على التّغاير في النّوع أو في القيمة أو فيهما معًا كالحيوانات المتفاوتة الآحاد من الخيل والإبل والبقر والغنم ونحوها، وكذا الدور والمصنوعات اليدويّة من حليٍّ وأدواتٍ وأثاثٍ منزليٍّ الّتي تتفاوت في أوصافها ومقوّماتها، ويتميّز كل فردٍ منها بمزايا لا توجد في غيره، حتّى أصبح له قيمة خاصّة به.
ومنها أيضًا: المثليّات الّتي فقدت من الأسواق أو أصبحت نادرةً، كبعض المصنوعات القديمة الّتي انقطعت من الأسواق، وأصبح لها اعتبار خاص في قيمتها ينقلها إلى زمرة القيميّات وكذا كل وحدةٍ لم تعدّ متساويةً مع نظائرها من وحدات المثليّ، بأن نقصت قيمتها لعيب أو استعمالٍ أو غير ذلك، فإنّها تصبح من القيميّات، كالأدوات والآلات والسّيّارات بعد استعمالها، وذلك لتغير أوصافها وقيمها. والواجب في إتلاف المثليّات هو ضمان المثل؛ لأنّه البدل المعادل، بخلاف القيميّات فإنّها تضمن بالقيمة، إذ لا مثل لها.
والمثلي يصح كونه دينًا في الذّمّة باتّفاق الفقهاء، أمّا القيمي فهناك تفصيل وخلاف في جواز جعله دينًا في الذّمّة.
ج- بالنّظر إلى تعلق حقّ الغير به:
ينقسم المال بالنّظر إلى تعلق حقّ الغير به إلى قسمين:
ما تعلّق به حق غير المالك، وما لم يتعلّق به حق لغير مالكه.
فالمال الّذي تعلّق به حق الغير: هو الّذي ارتبطت عينه أو ماليّته بحقّ مقرّرٍ لغير ملاكه، كالمال المرهون، فلا يكون لمالكه أن يتصرّف فيه بما يخل بحقوق المرتهن.
وأمّا المال الّذي لم يتعلّق به حق الغير: فهو المال الخالص لمالكه، دون أن يتعلّق به حق أحدٍ غيره ولصاحبه أن يتصرّف فيه -رقبةً ومنفعةً- بكلّ وجوه التّصرف المشروعة، بدون توقفٍ على إذن أحدٍ أو إجازته لسلامته وخلوصه من ارتباط حقّ الغير به.
د- بالنّظر إلى النّقل والتّحويل:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى إمكان نقله وتحويله إلى قسمين: منقول، وعقار. فالمال المنقول: هوّ كل ما يمكن نقله وتحويله، فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات وما أشبه ذلك.
والعقار: هو ما له أصل ثابت لا يمكن نقله وتحويله، كالأراضي والدور ونحوها. قال أبو الفضل الدّمشقي: العقار صنفان:
أحدهما: المسقّف، وهو الدور والفنادق والحوانيت والحمّامات والأرحية والمعاصر والفواخير والأفران والمدابغ والعراص.
والآخر: المذدرع، ويشتمل على البساتين والكروم والمراعي والغياض والآجام وما تحويه من العيون والحقوق في مياه الأنهار.
وقد اختلف الفقهاء في البناء والشّجر الثّابت، هل يعتبران من العقار أم المنقول؟ فذهب جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّهما من العقار.
وقال الحنفيّة: يعتبران من المنقولات، إلا إذا كانا تابعين للأرض، فيسري عليهما حينئذٍ حكم العقار بالتّبعيّة.
هـ- بالنّظر إلى النّقديّة:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى اتّصافه بالنّقديّة إلى قسمين: نقود، وعروض.
فالنقود: جمع نقدٍ، وهو الذّهب والفضّة وعلى ذلك نصّت مجلّة "الأحكام العدليّة" على أنّ النّقد هو: عبارة عن الذّهب والفضّة، سواء كانا مسكوكين أو لم يكونا كذلك، ويقال للذّهب والفضّة: النّقدان.
ويلحق بالذّهب والفضّة في الحكم الأوراق الرّائجة في العصر الحاضر.
والعروض: جمع عرضٍ، وهو كل ما ليس بنقد من المتاع.
قال في "المغني": العرض هو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه، من النّبات والحيوان والعقار وسائر المال.
وقد أدخل بعض فقهاء الحنابلة النّقد في العروض إذا كان متّخذًا للاتّجار به، تأسيسًا على أنّ العرض هو كل ما أعدّ لبيع وشراءٍ لأجل الرّبح، ولو من نقدٍ، قال البهوتيّ: سمّي عرضًا؛ لأنّه يعرض ليباع ويشترى، تسميةً للمفعول بالمصدر، كتسمية المعلوم علمًا، أو لأنّه يعرض ثمّ يزول ويفنى.
و- بالنّظر إلى رجاء صاحبه في عوده إليه:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى رجاء صاحبه في عوده إليه بعد زوال يده عنه إلى قسمين: ضمار، ومرجوّ.
فالمال الضّمار: هو المال الّذي لا يتمكّن صاحبه من استنمائه لزوال يده عنه، وانقطاع أمله في عوده إليه.
وأصله من الإضمار، وهو في اللغة: التّغيب والاختفاء. وعلى ذلك عرّفه صاحب المحيط من الحنفيّة بقوله: هو كل ما بقي أصله في ملكه، ولكن زال عن يده زوالًا لا يرجى عوده في الغالب.
وقال سبط بن الجوزيّ: وتفسير الضّمار أن يكون المال قائمًا، وينسدّ طريق الوصول إليه. ومن أمثلته: المال المغصوب إذا لم يكن لصاحبه على الغاصب بيّنة، والمال المفقود كبعير ضالٍّ وعبدٍ آبقٍ، إذ هو كالهالك لعدم قدرة صاحبه عليه، وكذا المال السّاقط في البحر، لأنّه في حكم العدم، والمال المدفون في برّيّةٍ أو صحراء إذا نسي صاحبه مكانه، والدّين المجحود إذا جحده المدين علانيةً، ولم يكن لصاحبه عليه بيّنة.
والمال المرجو: هو المال الّذي يرجو صاحبه عوده إليه، لإقرار صاحب اليد له بالملك، وعدم امتناعه عن الرّدّ عند الطّلب أو عند حلول الأجل المضروب لردّه، ومنه الدّين المقدور عليه، الّذي يأمل الدّائن اقتضاءه، لكون المدين حاضرًا مقرًا به مليئًا باذلًا له، أو جاحدًا له، لكن لصاحبه عليه بيّنة. وإنّما سمّي كذلك من الرّجاء، الّذي هو في اللغة: ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة. وتظهر ثمرة هذا التّقسيم في باب الزّكاة، حيث اختلف الفقهاء في زكاة المال الضّمار وما يتعلّق بها من الأحكام.
ز- بالنّظر إلى نمائه:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى نمائه أو عدم نمائه إلى قسمين: نامٍ، وقنية.
فالمال النّامي: هو الّذي يزيد ويكثر، من النّماء الّذي يعني في اللغة الزّيادة والكثرة.
وهو في الشّرع نوعان: حقيقي، وتقديري.
فالحقيقي: الزّيادة بالتّوالد والتّناسل والتّجارات.
والتّقديري: تمكنه من الزّيادة، بكون المال في يده أو يد نائبه.
ومال القنية: هو الّذي يتّخذه الإنسان لنفسه لا للتّجارة.
قال الأزهري: القنية: المال الّذي يؤثّله الرّجل ويلزمه ولا يبيعه ليستغلّه.
ويظهر أثر التّقسيم في الزّكاة، إذ أنّها تجب في المال النّامي دون مال القنية.
الزّكاة في الأموال الظّاهرة والباطنة:
الأموال بالنّظر إلى وجوب دفع زكاتها إلى وليّ الأمر لتوزيعها على مستحقّيها قسمان: باطنة وظاهرة.
وجمهور الفقهاء: على أنّ أداء زكاة الأموال الباطنة مفوّض إلى أربابها، أمّا الأموال الظّاهرة ففيها تفصيل.
التّخلص من المال الحرام:
إذا كان المال الّذي في يد المسلم حرامًا، فإنّه لا يجوز له إمساكه ويجب عليه التّخلص منه، وهذا المال إمّا أن يكون حرامًا محضًا، وقد سبق بيان حكمه وطريقة التّخلص منه في مصطلح: كسب.
وإمّا أن يكون مختلطًا بأن كان بعضه حلالًا وبعضه حرامًا ولا يتميّز بعضه عن بعضٍ فجمهور الفقهاء على أنّه يجب على من بيده هذا المال أن يخرج قدر الحرام ويدفعه لمستحقّه ويكون الباقي في يده حلالًا.
قال أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه: إن كان المال كثيرًا أخرج منه قدر الحرام وتصرّف في الباقي، وإن كان المال قليلًا اجتنبه كلّه؛ وهذا لأنّ القليل إذا تناول منه شيئًا، فإنّه تبعد معه السّلامة من الحرام بخلاف الكثير.
وذهب بعض الغلاة من أرباب الورع كما قال ابن العربيّ إلى أنّ المال الحلال إذا خالطه حرام حتّى لم يتميّز، ثمّ أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحلّ ولم يطب؛ لأنّه يمكن أن يكون الّذي أخرج هو الحلال والّذي بقي هو الحرام.
ما يتعلّق بالمال من حقوقٍ:
الحقوق المتعلّقة بالمال إمّا حقوق للّه تعالى وإمّا حقوق للعباد.
أما حقوق اللّه تعالى: فهي ما يتعلّق به النّفع العام فلا يختص به أحد، وإنّما هو عائد على المجموع، ونسب هذا الحق إلى اللّه تعالى تعظيمًا لشأنه. ومن هذه الحقوق: زكاة المال وصدقة الفطر والكفّارات والخراج على الأرض الزّراعيّة وغيرها من الحقوق.
وأمّا حقوق العباد: فهي ما لبعض العباد على غيرهم من الحقوق الماليّة كثمن المبيع والدّين والنّفقات وغيرها من الحقوق.
الأموال الرّبويّة وغيره:
الأموال تنقسم إلى قسمين:
أ- الأموال الرّبويّة: وقد اتّفق الفقهاء منها على الأصناف السّتّة الّتي ورد بها حديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة والبر بالبرّ والشّعير بالشّعير والتّمر بالتّمر والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)).

ب- الأموال غير الرّبويّة: وهي ما عدا الأصناف السّتّة الواردة في الحديث والأصناف الّتي ألحقها الفقهاء بهذه الأصناف لوجود علّة التّحريم.Harta dalam Islam

مراجع : تعريف المال لغةً واصطلاحًا - الدرس السابع عشر
ع1:
تعريف المال لغةً واصطلاحًا
ج1:
الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، لَوهْبَة الزُّحَيْلِيّ.
المال بطبيعته محل الملكية إلا إذا وجد مانع من الموانع، وهو في الغالب محل المعاملات المدنية كالبيع والإيجار والشركة والوصية ونحوها. وهو أيضًا عنصر ضروري من ضرورات الحياة أو المعيشة التي لا غنى عنها للإنسان.
لذا سأذكر تعريف المال وأقسامه وما يقبل التملك منه وما لا يقبل، ثم أبين تعريف الملك وأقسامه وخصائص كل قسم.
تعريف المال وإرثه:
تعريف المال: المال في اللغة: كل ما يقتنى ويحوزه الإنسان بالفعل سواء أكان عينًا أم منفعةً، كذهب أو فضة أو حيوان أو نبات أو منافع الشيء كالركوب واللبس والسكنى. أما ما لا يحوزه الإنسان فلا يسمى مالًا في اللغة كالطير في الهواء والسمك في الماء والأشجار في الغابات والمعادن في باطن الأرض.
وأما في اصطلاح الفقهاء ففي تحديد معناه رأيان:
أولًا: عند الحنفية: المال: هو كل ما يمكن حيازته وإحرازه وينتفع به عادة، أي: أن المالية تتطلب توفر عنصرين:
1- إمكان الحيازة والإحراز: فلا يعد مالًا: ما لا يمكن حيازته كالأمور المعنوية مثل العلم والصحة والشرف والذكاء، وما لا يمكن السيطرة عليه كالهواء الطلق وحرارة الشمس وضوء القمر.
2- إمكان الانتفاع به عادة: فكل ما لا يمكن الانتفاع به أصلًا كلحم الميتة والطعام المسموم أو الفاسد، أو ينتفع به انتفاعًا لا يعتد به عادة عند الناس كحبة قمح أو قطرة ماء أو حفنة تراب، لا يعد مالًا؛ لأنه لا ينتفع به وحده. والعادة تتطلب معنى الاستمرار بالانتفاع بالشيء في الأحوال العادية، أما الانتفاع بالشيء حال الضرورة كأكل لحم الميتة عند الجوع الشديد "المخمصة" فلا يجعل الشيء مالًا، لأن ذلك ظرف استثنائي.
وتثبت المالية بتمول الناس كلهم أو بعضهم، فالخمر أو الخنزير مال لانتفاع غير المسلمين بهما. وإذا ترك بعض الناس تمول مال كالثياب القديمة فلا تزول عنه صفة المالية إلا إذا ترك كل الناس تموله.
وقد ورد تعريف المال في المادة "621" من المجلة نقلًا عن ابن عابدين الحنفي وهو: "المال: هو ما يميل إليه طبع الإنسان، ويمكن ادخاره إلى وقت الحاجة، منقولًا كان أو غير منقول".
ولكنه تعريف منتقد؛ لأنه ناقص غير شامل، فالخضروات والفواكه تعتبر مالًا، وإن لم تدخر لتسرع الفساد إليها. وهو أيضًا بتحكيم الطبع فيه قلق غير مستقر؛ لأن بعض الأموال كالأدوية المرة والسموم تنفر منها الطباع على الرغم من أنها مال. وكذلك المباحات الطبيعية قبل إحرازها من صيود ووحوش وأشجار في الغابات تعد أموالًا ولو قبل إحرازها أو تملكها.
ثانيًا: وأما المال عند جمهور الفقهاء غير الحنفية: فهو كل ما له قيمة يلزم متلفه بضمانه. وهذا المعنى هو المأخوذ به قانونًا، فالمال في القانون وهو كل ذي قيمة مالية.
الأشياء غير المادية الحقوق والمنافع:
حصر الحنفية معنى المال في الأشياء أو الأعيان المادية، أي: التي لها مادة وجِرم محسوس. وأما المنافع والحقوق فليست أموالًا عندهم وإنما هي ملك لا مال. وغير الحنفية اعتبروها أموالًا؛ لأن المقصود من الأشياء منافعها لا ذواتها، وهذا هو الرأي الصحيح المعمول به في القانون وفي عرف الناس ومعاملاتهم، ويجري عليها الإحراز والحيازة.
والمقصود بالمنفعة: هو الفائدة الناتجة من الأعيان، كسكنى الدار، وركوب السيارة، ولبس الثوب ونحو ذلك.
وأما الحق: فهو ما يقرره الشرع لشخص من اختصاص يؤهله لممارسة سلطة معينة أو تكليف بشيء. فهو قد يتعلق بالمال كحق الملكية، وحق الارتفاق بالعقار المجاور من مرور أو شرب أو تعلي، وقد لا يتعلق بالمال كحق الحضانة، والولاية على نفس القاصر.
والمنافع، والحقوق المتعلقة بالمال، والحقوق المحضة كحق المدعي في تحليف خصمه اليمين ليست أموالًا عند الحنفية، لعدم إمكان حيازتها بذاتها، وإذا وجدت فلا بقاء ولا استمرار لها؛ لأنها معنوية، وتنتهي شيئًا فشيئًا تدريجيًّا.
وقال جمهور الفقهاء غير الحنفية: إنها تعتبر مالًا، لإمكان حيازتها بحيازة أصلها ومصدرها؛ ولأنها هي المقصودة من الأعيان، ولولاها ما طلبت، ولا رغب الناس بها.
ويترتب على هذا الخلاف بعض النتائج أو الثمرات في الغصب والميراث والإجارة. فمن غصب شيئًا وانتفع به مدة، ثم رده إلى صاحبه، فإنه يضمن قيمة المنفعة عند غير الحنفية، وعند الحنفية: لا ضمان عليه إلا إذا كان المغصوب شيئًا موقوفًا، أو مملوكًا ليتيم، أو معدًّا للاستغلال كعقار معد للإيجار كفندق أو مطعم؛ لأن هذه الأملاك بحاجةٍ شديدةٍ للحفظ ومنع العدوان عليها. وهذا المعنى في الواقع موجود في كل المنافع، فينبغي الإفتاء بالضمان في كل المغصوبات.
والإجارة تنتهي بموت المستأجر عند الحنفية؛ لأن المنفعة ليست مالًا حتى تورث، وغير الحنفية يقولون: لا تنتهي الإجارة بموت المستأجر وتظل باقية حتى تنتهي مدتها. والحقوق لا تورث عند الحنفية كالحق في خيار الشرط أو خيار الرؤية. وتورث عند غير الحنفية.
ع1:
تعريف المال لغةً واصطلاحًا
ج2:
مجلة البحوث الإسلامية، العناصر المكونة لصفة المالية عند الفقهاء، لصالح بن عبد الله اللحيدان، عدد 73.
المطلب الأول: بيان المراد بالمال عند أهل اللغة:
المال مشتق من: "مول" فعينه واو، ويطلق في اللغة على كل ما يملكه الإنسان من الأشياء. وبعضهم يطلقه على الذهب والفضة خاصة، وكانت العرب تطلقه غالبًا على الإبل خاصةً أو على النعم.
والذي يبدو لي: أن مصطلح المال عند العرب تطور استعماله باختلاف الأزمنة، وأنه تأثر أيضًا بالأعراف والبيئات.
وقد أشار إلى هذا ابن الأثير في "النهاية" فقال: "المال: في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم". وهذا يفيد في رأيي ألا يخضع المصطلح الشرعي في المال لأي من هذه الاستعمالات اللغوية بمفرده، وكذلك المصطلح العرفي فلا تحمل ألفاظ الناس في عقودهم ودعاواهم على أي من هذه الاستعمالات، إلا لوجود القرينة التي تفيد مناسبته دون غيره.
قال ابن الأثير: "وقد تكرر ذكر المال على اختلاف مسمياته في الحديث ويفرق فيها بالقرائن".
والمال يجمع على: أموال، وتصغيره: مويل، وهو مذكر ومؤنث، يقال: هو المال، و: هي المال، ومنه قول حسان بن ثابت:
المال تزري بأقوام ذوي حسب           وقد تسود غير السيد المال
ويقال: مال الرجل يمول ويمال مولًا ومئولًا: إذا صار ذا مال، ومثله: تمول، و: مول فلان فلانا إذا أعطاه المال، و: رجل مال: أي: كثير المال كأنه قد جعل نفسه مالًا، وحقيقته: ذو مال ومنه للمرأة: امرأة مالة، وللجمع: مالة ومالون. و: ما أموله: أي: ما أكثر ماله "المصباح المنير"، و"لسان العرب"، الصفحات السابقة.
واشتقاقه كما ذكرت آنفًا من "مول" فعينه واو لا ياء، وهذا ينفي صحة ما يذكره بعضهم من سبب تسميته، قال النووي: "روينا في حلية الأولياء عن سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- قال: سمي المال؛ لأنه يميل القلوب، قلت: وهذه مناسبة في المعنى، وإلا فليس مشتقًّا من ذلك، فإن عين المال واو، والإمالة من الميل ياء، ومن شروط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية".
وإنما يذكره أهل اللغة في مادة: "مول" بالواو.
المطلب الثاني: تعريف الفقهاء للمال:
سأقتصر في هذا المبحث على نقل ما وجدته من تعريفات للفقهاء للمال، مع بيان أهم ملامحها ومحترزاتها بإجمال، تاركًا تحليلَ عناصرها للفصل الثاني والثالث، فإن هذا هو المقصود بالبحث أساسًا.
وقد اختلف تعريفات الفقهاء للمال؛ نظرًا لاختلاف وجهات نظرهم في المعاني الاصطلاحية المرادة منه، وقد ظهر اتجاهان يعكسان وجهة نظر كل منهما:
أحدهما: اتجاه الأحناف.
والآخر: اتجاه الجمهور، كما أثر في تعريفهم للمال اختلاف المأخذ والوجهة التي عرفوه منها، فمنهم من عرفه بصفته، ومنهم من عرفه بوظيفته، ومنهم من عرفه بحكمه... لكن المؤثر الرئيس في اختلافهم والذي كان له أثر حقيقي على الفروع، هو اختلاف الأعراف فيما يعد مالًا وما لا يعد، وذلك أنه ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، فحكم فيه العرف.
ولعلي أسرد شيئًا من تعريفاتهم للمال يتبين فيها ما ذكرته:
أولًا: تعريف الحنفية للمال:
وردت عند فقهاء الحنفية عدة تعريفات للمال، ويلاحظ تباعدها أحيانًا، وذلك لاختلاف المأخذ والوجهة التي عرف المال منها:
- تعريف السرخسي: "والمال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز". "المبسوط" 11 / 79 .
- تعريف آخر في "المبسوط": "ما صح إحرازه على قصد التمول". قاله في سياق كلامه عن خلاف أبي حنيفة وصاحبيه في تقوم رق أم الولد. "المبسوط" 7 / 160.
تعريف "البحر الرائق": "وفي الحاوي القدسي: المال: اسم لغير الآدمي خلق لمصالح لآدمي، وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار". "البحر الرائق" 5 / 277.
- وفي "العناية شرح الهداية": "قال محمد -رحمه الله-: المال كل ما يتملكه الناس من دراهم أو دنانير أو حنطة أو شعير أو حيوان أو ثياب أو غير ذلك". "العناية" 2 / 280.
- تعريف "التقرير والتحبير": "المال ما يصان ويدخر لوقت الحاجة". وفي موضع آخر قال: "المال ما تجري فيه الرغبة والضنة". "التقرير والتحبير" لمحمد بن محمد بن عمر الحنفي: 3 / 173 و1 / 208.
ويلاحظ أنه كان في الأول يتكلم عن المنافع، وفي الثاني عن الكفن يريد نفي المالية عنهما، فعرف المال في كل موضع بحسب غرضه.
- تعريف ابن عابدين: "المراد بالمال: ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة". وقد نقله صاحب "البحر الرائق" أيضًا عن "الكشف الكبير البحر الرائق" 5 / 277. تعريف لابن عابدين أيضًا: "المال: المنتفع به في التصرف على وجه الاختيار". "حاشية رد المحتار" 4 / 502.
- تعريف للسرخسي: "وكل عين ينتفع به -غير الآدمي الحر- فهو مال". "أصول السرخسي".
وعند النظر في هذه التعريفات للحنفية نجدها قد اعتمدت عدة عناصر للمالية، هي:
1- إمكان الإحراز والادخار.
2- قصد التمول، والمراد بالتمول -كما سيأتي لاحقًا- صيانة الشيء وادخاره لوقت الحاجة.
3- ميل الطبع إليه.
4- الانتفاع به.
وعلى هذا فيخرج عن مسمى المالية عدة محترزات، هي:
1- المنافع، حيث لا يمكن ادخارها؛ لأنها أعراض لا تبقى زمانين، فهي في نظرهم ملك لا مال.
2- الدين؛ لعدم إمكان قبضه وإحرازه حقيقة ما دام دينًا.
3- ما لا يتمول لقلته وحقارته، كحبة قمح ونحوها.
4- الميتة والدم؛ لعدم إباحتهما، ولعدم تمولهما، ولعدم ميل الطبع إليهما.
5- ما لا نفع فيه.
ولكن ينبغي التنبيه إلى أن العرف الغالب عند فقهاء الحنفية أن اسم المال ينصرف عند الإطلاق، إلى النقد والعروض خاصة، قال في "الهداية" في باب زكاة النقد والعروض: "باب زكاة المال". وقد علق عليه الكمال بن الهمام بقوله: "ما تقدم أيضًا زكاة مال إلا أن في عرفنا يتبادر من اسم المال النقد والعروض". وقال البابرتي: "والمصنف ذكر المال وأراد غير السوائم على خلاف عرف أهل البادية، فإن اسم المال يقع عندهم على النعم، وعلى عرف الحضر". فإنهم عندهم يقع على غير النعم.
وللعادة أثر في المالية عندهم كغيرهم؛ ولذا قالوا: إن المالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم.
ثانيًا: تعريف المالكية للمال:
تعريف الشاطبي: "وأعني بالمال: ما يقع عليه الملك ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه، ويستوي في ذلك الطعام والشراب واللباس على اختلافها، وما يؤدي إليها من جميع المتمولات". "الموافقات" 2 / 17.
- تعريف القاضي عبد الوهاب: "يقطع في جميع المتمولات التي تتمول في العادة، ويجوز أخذ الأعواض عليها". "الإشراف على مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب البغدادي 2 / 271، ونحوه في "المعونة" 3 / 1421.
- تعريف ابن العربي للمال المعتبر شرعًا حيث قال: "كل ما تمتد إليه الأطماع ويصلح عادةً وشرعًا للانتفاع به". "أحكام القرآن" لابن العربي المالكي 2 / 607، قاله وهو يعرف المسروق، وهذا يخرج المحرم قال: "فإن منع منه الشرع، لم ينفع تعلق الطماعية فيه، ولا يتصور الانتفاع منه كالخمر والخنزير مثل"
وبالنظر إلى هذه التعريفات يلاحظ أنها مسوقة مساق التعريف الذي يميز ولا يحدد، وأهم العناصر المذكورة للمال فيها:
1- التمول عادة.
2- صلاحيته للانتفاع.
3- إباحة الانتفاع به، فيخرج به المحرمات فلا تكون مالًا.
4- إمكان المعاوضة عنه.
ثالثًا: تعريف الشافعية للمال:
تعريف الشافعي -رحمه الله تعالى- جاء في "الأم": "ولا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها -وإن قلت- وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل الفلس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه". "الأم" 5 / 171. وفي موضع آخر: "ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ما له قيمة يتبايع بها، ويكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها -وإن قلت- وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل الفلس وما يشبه ذلك. والثاني: كل منفعة ملكت وحل ثمنها، مثل كراء الدار وما في معناها مما تحل أجرته". "الأم" 5 / 63.
- قال السيوطي: "قال الشافعي -رضي الله عنه-: لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه وإن قلت وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك". "الأشباه والنظائر" للسيوطي ص"327"، وهو نقل لما سبق بتصرف يسير.
- تعريف الزركشي قال: "المال ما كان منتفعًا -أي: مستعدًا- لأن ينتفع به وهو إما أعيان أو منافع". "المنثور" للزركشي 3 / 222.
- قال النووي -رحمه الله تعالى-: "فما لا نفع فيه ليس بمال...". ولعدم المنفعة سببان:
أحدهما: القلة كالحبة والحبتين من الحنطة، والزبيب، ونحوهما، فإن ذلك القدر لا يعد مالًا، ولا ينظر إلى ظهور النفع إذا ضم إليه غيره، ولا إلى ما يفرض من وضع الحبة في فخ، ولا فرق في ذلك بين زمان الرخص والغلاء... وحكى صاحب التتمة وجها: أنه يصح بيع ما لا منفعة فيه لقلته، وهو شاذ ضعيف.
السبب الثاني: الخسة كالحشرات، والحيوان الطاهر ضربان: ضرب ينتفع به فيجوز بيعه كالنعم والخيل... الضرب الثاني: ما لا ينتفع به، فلا يصح بيعه، كالخنافس، والعقارب، والحيات، والفأر، والنمل، ونحوها ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها...". "روضة الطالبين" 3 / 350.
- تعريف السمعاني: "المال ما يميل طباع الناس إليه، ولهذا سُمِّي مالًا، وطباع الناس يميل إلى هذه الأشياء لمنافع تظهر لها في ثاني الحال، فيكون مالًا مثل الأطفال، والجحوش للحمر، والمهر للأفراس".
وبالنظر في هذه التعريفات للشافعية نستخلص عدة عناصر للمالية عند الشافعية وهي:
1- كونه ذا قيمة تلزم متلفه. وهو -فيما يبدو لي- إمكان المعاوضة الذي ذكرناه عند الحنفية والمالكية.
2- الانتفاع به، فيخرج من ذلك: ما لا ينتفع به لقلته أو لخسته، وما لا قيمة له مما يطرحه الناس كما عبر به الشافعي -رحمه الله تعالى-.
ويعني هذا: دخول المنفعة، والدين في مسمى المال.
رابعًا: تعريف الحنابلة للمال:
- تعريف الفتوحي: "ما يباح نفعه مطلقا واقتناؤه بلا حاجة". "منتهى الإرادات" للفتوحي تحقيق عبد الغني عبد الخالق 1 / 256.
- تعريف الحجاوي: "وهو ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة". "الإقناع الحجاوي" 2 / 156.
- تعريف ابن بلبان: "وهو ما فيه منفعة مباحة". "أخصر المختصرات" لابن بلبان الدمشقي تحقيق محمد العجمي: ص 163.
- تعريف ابن قدامة: "وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة". "المقنع" "2 / 5" مع حاشية الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله تعالى-.
وقد علق عليه التنوخي بقوله: "ولو قال المصنف -رحمه الله-: لغير حاجة كان جيدًا؛ لأن اقتناء الكلب يحتاج إليه ولا يضطر إليه". "الممتع في شرح المقنع" للتنوخي.
- جاء في "الإنصاف": "علل المصنف الذي ليس بمال -كقشر الجوز؛ والميتة والخمر- بأنه لا يثبت في الذمة". "الإنصاف" 12 / 207.
وبالنظر إلى هذه التعريفات نستخلص عدة عناصر للمالية عند الحنابلة، وهي:
1- إمكان الانتفاع به.
2- حل الانتفاع مطلقًا، أي: من غير حاجة ولا ضرورة.
ولعل هذا هو ما أراده ابن عابدين الحنفي حين قال: "على وجه الاختيار". في تعريفه الذي أوردته قي تعريفات الحنفية.
3- إمكانية ثبوته في الذمة، ولعل هذا هو ما عبرنا عنه عند الآخرين بإمكان المعاوضة، وبالتمول، فيخرج ما لا يمكن فيه ذلك لقلته كحبة قمح ونحوها.
وعلى ذلك فيخرج من هذا التعريف عدة محترزات، فلا تعد مالًا وهي:
1- ما لا نفع فيه أصلًا كالحشرات، لكن ينبغي أن يلاحظ أن الحال قد اختلف في العصر الحاضر، إذ أصبح كثير من هذه الحشرات يتم الانتفاع بها داخل المختبرات العلمية، حيث تكون محلًّا للتجربة العلمية، ومن خلالها يتم التوصل إلى القوانين والنظريات العلمية التي تساعد في إيجاد الحلول لكثير من الاستفسارات والأسئلة العلمية التي تهم الإنسان... وإما أن تكون هذه الحشرات مصدرًا للمضادات الحيوية والعلاجات التي تعين على القضاء على الأمراض التي تصيب الإنسان، فالسم الذي يتكون في جسم الأفعى يشكل مضادًّا حيويًّا فعالًا، ويوصف علاجًا للقضاء على بعض أنواع الخلايا السرطانية التي تصيب الإنسان.
فإذا ثبت أن مثل هذه الحشرات والحيوانات تشتمل على ما فيه مصلحة الإنسان بالتداوي، ودفع أذى المرض، وهي أمور أذن الشرع بها، فهي لا شك مال إذا حيزت لأجل منفعتها، بل ربما صارت بعض أنواع الحشرات الآن مقصودة بنفسها، تباع وتشترى للقنية، وتكون ذات قيمة، فهذه الأسباب وغيرها تجعل هذه الحشرات مالًا حتى عند الحنابلة في رأيي وما عبر عنه الفقهاء من عدم النفع بها، إنما هو باعتبار زمنهم وما جرت عادة الناس به فيه، والله تعالى أعلم.
2- ما فيه منفعة محرمة كالخمر والخنزير.
3- ما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب.
4- ما فيه منفعة تباح للضرورة كالميتة في حال المخمصة وكالخمر لدفع غصة بها.
5- ما لا يمكن تموله لقلته كحبة بر ونحوها.
6- ما لا يباح اقتناؤه إلا للحاجة كالكلب.
والناظر إلى هذه التعريفات يجد أن للحنفية رأيًا مستقلًّا في تعريف المال، فيما تبقى المذاهب الثلاثة الأخرى متقاربة في تعريفاتها، مما يمكن معه أن نقول: إن للفقهاء في تعريف المال اتجاهين:
الأول: للحنفية.
والثاني: للجمهور.
وأبرز ملامح اتجاه الحنفية انفرادهم بأمرين:
1- أنهم لم يجعلوا إباحة الانتفاع شرعًا شرطًا في المالية، مما ساقهم إلى تقسيم المال إلى متقوم وغير متقوم، بينما اشترط الجمهور إباحة الانتفاع فلم يحتاجوا إلى هذا التقسيم.
2- أنهم اشترطوا إمكان الادخار لوقت الحاجة، فأخرجوا بذلك المنافع ونحوها من أن تكون أموالًا، وخالفهم الجمهور فلم يشترطوا ذلك.
خامسًا: تعريفات المتأخرين:
أ- رجح بعض المتأخرين تعريف المال بأنه: "كل ما يمكن حيازته والانتفاع به على وجه معتاد".
وعليه تتحقق مالية الشيء إذا توفر فيه أمران: إمكان حيازته، وإمكان الانتفاع به ويترتب على ذلك ما يلي:
1- أن ما نحوزه وننتفع به فعلًا يعد مالًا، كالدور، والأراضي، والسيارات، والنقود، والثياب، والحيوانات، ونحوها.
2- أن ما لا نحوزه فعلًا ولكن نتمكن من حيازته يعد مالًا أيضًا، كالسمك في الماء، والطير في الهواء، والحيوان في الفلاة، والمعدن في باطن الأرض.... ونحوها.
ب- أن ما لا نتمكن من حيازته لا يعتبر مالًا وإن كنا ننتفع به فعلًا، مثل ضوء الشمس ونور القمر.
ج- أن ما لا يمكن الانتفاع به على وجه معتاد لا يسمى مالًا وإن حيز بالفعل كقطرة ماء، أو حبة رز، فإن الانتفاع المعتاد هو ما جرت به عادة الناس، ويلائم طبيعة الشيء، ويحقق المنفعة التي خلق من أجلها، فالرز مثلًا منفعته أن يكون غذاء، والحبة منه لا تحقق هذا الغرض، فلا تكون مالًا.
هـ- أن ما منع الشارع الانتفاع به منعًا عامًّا يسري في حق الناس جميعًا لا يعتبر مالًا وإن حازه الإنسان وانتفع به فعلًا كالميتة، وإنما كان الحكم كذلك؛ لأن كون الشيء ينتفع به أو لا ينتفع به حكم شرعي، فإذا أباح الشارع الانتفاع ثبتت ماليته وصار مالًا في نظر الشارع، وما لا فلا.
وأما ما يجوز الانتفاع به في حق البعض دون البعض الآخر فهو مال، كالخمر والخنزير فهي مباحة للذميين". "المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية". د. عبد الكريم زيدان ص "183، 184"..
جاء في "معجم لغة الفقهاء" تعريف المال بأنه: "كل ما يمكن الانتفاع به مما أباح الشرع الانتفاع به في غير حالات الضرورة كل ما يقوم بمال". "معجم لغة الفقهاء" لمحمد رواس قلعه جي "ص 366، 367"..
و- عرفه بعض المعاصرين بتعريف يتفق مع مسلك الجمهور وهو: "ما كان له قيمة مادية بين الناس وجاز شرعًا الانتفاع به في حال السعة والاختيار".
ر- وذهب الدكتور الدبو إلى تفضيل التعريف الأخير؛ لوضوحه، وشموليته، إلا أنه فضل إجراء تعديل طفيف عليه بحيث يكون هكذا: "المال: كل ما له قيمة عرفًا، وجاز الانتفاع به في حال السعة والاختيار".
وشرح تعريفه بقوله:
"فقولنا: كل ما له قيمة عرفًا، يشمل الأعيان، والمنافع بما فيها الهواء إذا ضغط في أنابيب، أو الطاقة الشمسية إذا حيزت في آلات معينة، واستغلت في خدمة بني الإنسان، وكذا الحقوق التي يمكن الاعتياض عنها بمال، كما أنه قيد لإخراج الأعيان والمنافع التي لا قيمةَ لها بين الناس، لتفاهتها كحبة قمح، أو قطرة ماء، وشم رائحة عطر، وما أشبه ذلك.
وقولنا: جاز الانتفاع به شرعًا، قيد لإخراج ما حرم الشرع الانتفاع به كالميتة والخمر والخنزير. والنص على الانتفاع في حال السعة والاختيار قيد لبيان أن المقصود بالانتفاع، هو الانتفاع المشروع في حال السعة والاختيار دون حالة الضرورة، فجواز الانتفاع بلحم الميتة أو بالخمر أو غيرهما من الأعيان المحرمة لا يمكن اعتبارها مالًا في نظر الشريعة، إذ أن جواز الانتفاع بها مقصور على حالة الضرورة فلا تعتبر هذه الأعيان أموالًا؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها". "ضمان المنافع" للدكتور إبراهيم فاضل الدبو: ص "228، 229".
ز- رجح بعض المتأخرين أن المالية ليست إلا صفة للأشياء، بِناءً على تحول الناس، واتخاذهم إياها مالا ومحلا لتعاملهم، فإذا دعتهم حاجتهم إلى ذلك فمالت إليه طباعهم، وكان في الإمكان التسلط عليه، والاستئثار به، ومنعه من الناس صار مالًا، ولا يلزم كونه مادة تدخر لوقت الحاجة، بل يكفي أن يكون الحصول عليها ميسورًا غير متعذر عند الحاجة إليه. وذلك متحقق في المنافع وفي كثير من الحقوق، فإذا تحقق ذلك فيها عدت من الأموال بناء على عرف الناس وتعاملهم.
ع2:
أقسام المال في الفقه الإسلامي، والآثار المترتبة على هذه التقسيمات المختلفة
ج1:
الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُه، لوَهْبَة الزُّحَيْلِيّ.
أقسام المال:
قسم الفقهاء المال عدة تقسيمات يترتب عليها أحكام مختلفة بحسب كل قسم، وأكتفي ببيان أربعة تقسيمات، أوضحها القانون المدني:
1- باعتبار إباحة الانتفاع وحرمته إلى: متقوم وغير متقوم.
2- باعتبار استقراره في محله وعدم استقراره إلى: عقارٍ ومنقول.
3- باعتبار تماثل أحاده أو أجزائه وعدم تماثلها إلى: مثلي وقيمي.
4- باعتبار بقاء عينه بالاستعمال وعدم بقائه إلى: استهلاكي واستعمالي.
المطلب الأول: المال المتقوم وغير المتقوم:
المال المتقوم: كل ما كان محرزًا بالفعل، وأباح الشرع الانتفاع به كأنواع العقارات والمنقولات والمطعومات ونحوها.
وغير المتقوم: ما لم يحرز بالفعل، أو ما لا يباح الانتفاع به شرعًا إلا في حالة الاضطرار.
مثال الأول: السمك في الماء والطير في الهواء والمعادن في باطن الأرض ونحوها من المباحات كالصيد والحشيش فهي غير متقومة عرفًا.
ومثال الثاني: الخمر والخنزير بالنسبة للمسلم غير متقومين شرعًا، فلا يباح للمسلم الانتفاع بهما إلا عند الضرورة وبقدر الضرورة كدفع خطر جوع شديد أو عطش شديد يخشى معه الهلاك، ولا يجد الإنسان شيئًا آخر سواهما، فيباح له الانتفاع بأحدهما بقدر ما يدفع الهلاك عن نفسه.
أما بالنسبة لغير المسلم فهما من الأموال المتقومة عند فقهاء الحنفية؛ لأننا أمرنا بتركهم وما يدينون. فلو أتلفهما مسلم أو غير مسلم وجب عليه ضمانهما. وقال غير الحنفية: لا يعتبران مالًا متقومًا؛ لأن غير المسلمين المقيمين في بلادنا ملزمون بأحكام المعاملات الإسلامية، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.
وتظهر فائدة هذا التقسيم في موضعين:
الأول: صحة التعاقد عليه وعدمها: فالمتقوم يصح أن يكون محلًّا لجميع العقود التي ترد على المال كالبيع والإيجار والهبة والإعارة والرهن والوصية والشركة ونحوها. وغير المتقوم: لا يصح التعاقد عليه بشيء من تلك العقود، فيعد بيع المسلم خمرًا أو خنزيرًا بيعًا باطلًا، ولو اشترى المسلم بخمر أو خنزير كان الشراء فاسدًا، وسبب التفرقة بين الحالتين أن المبيع هو المقصود الأصلي من البيع، فتقومه شرط انعقاد. وأما الثمن فهو وسيلة لا يقصد لذاته، فتقومه شرط صحة.
الثاني: الضمان عند الإتلاف: إذا أتلف إنسان مالًا متقومًا لغيره وجب عليه ضمان مثله إن كان مثليًا، أو قيمته إن كان قيميًّا. أما غير المتقو م فلا يضمن بالإتلاف إذا كان لمسلم. فلو أراق أحد خمرًا لمسلم أو قتل خنزيرًا له، لا يضمنه. أما لو أتلفه أحد لذمي -أي: غير مسلم مقيم في دار الإسلام- ضمن له قيمته عند الحنفية، لأنه مال متقوم عندهم، كما تقدم.
التقوم وعدمه عند القانونيين:
يختلف معنى التقوم وعدمه بين الشرعيين والقانونيين، فهو عند الشرعيين كما عرفنا: ما يباح الانتفاع بها، شرعًا، أو ما لا يباح ذلك.
وأما عند القانونيين: فالتقوم: ما كان ذا قيمة بين الناس. وعدم التقوم: هو خروج الأشياء عن التعامل بطبيعتها أو بحكم القانون. فالأولى: هي التي يشترك كل الناس في الانتفاع بها، ولا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها، كالهواء والبحار وأشعة الشمس. والثانية: هي الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون كالمخدرات الممنوعة والمواد الحربية المتفجرة، وكل الأشياء المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة أو المخصصة للنفع العام بالفعل. وقد أخذت فكرة التقوم وعدمه من مفهوم المادة "38" من القانون المدني التي تنص على ما يأتي:
1- كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلًا للحقوق المالية.
2- والأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها، وأما الخارجة بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلًّا للحقوق المالية.
يتبين من ذلك أن فكرة التقوم وعدمه تنبني في القانون على جواز التعامل في الشيء وعدم جوازه قانونًا. فالخمر مثلًا يجوز التعامل بها في القانون ولا يجوز التعامل بها في الشرع.
المطلب الثاني: العقار والمنقول:
للفقهاء اصطلاحان في بيان المقصود من العقار والمنقول، أحدهما: للحنفية، والآخر: للمالكية.
رأي الحنفية المنقول: هو ما يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر، سواء أبقي على صورته وهيئته الأولى، أم تغيرت صورته وهيئته بالنقل والتحويل ويشمل النقود والعروض التجارية وأنواع الحيوان والمكيلات والموزونات. والعقار: هو الثابت الذي لا يمكن نقله وتحويله أصلًا من مكان إلى آخر كالدور والأراضي.
ويلاحظ أن البناء والشجر والزرع في الأرض لا تعد عقارًا عند الحنفية إلا تبعًا للأرض، فلو بيعت الأرض المبنية أو المشجرة أو المزروعة طبقت أحكام العقار على ما يتبع الأرض من البناء ونحوه. أما لو بيع البناء وحده أو الشجر وحده من غير الأرض فلا يطبق عليهما حكم العقار. فالعقار عند الحنفية لا يشمل إلا الأرض خاصة. والمنقول يشمل ما عداها.
رأي المالكية: ضيق المالكية من دائرة المنقول ووسعوا في معنى العقار، فقالوا: المنقول: هو ما أمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر مع بقائه على هيئته وصورته الأولى كالملابس والكتب والسيارات ونحوها. والعقار عندهم: هو ما لا يمكن نقله وتحويله أصلًا كالأرض، أو أمكن تحويله ونقله مع تغيير صورته وهيئته عند النقل والتحويل كالبناء والشجر. فالبناء بعد هدمه يصير أنقاضًا، والشجر يصبح أخشابًا.
وهذا الرأي هو المتفق مع القانون المدني السوري، كما نصت المادة 48/1: "كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه، لا يمكن نقله منه، دون تلف، فهو عقار، وكل ماعدا ذلك من شيء فهو منقول".
لكن توسع القانون في معنى العقار في الفقرة الثانية من هذه المادة، فأدخل فيه المنقولات التي يضعها صاحبها في عقار يملكه لخدمة هذا العقار أو استثماره، حتى السماد والسمك، وسماها -عقارًا بالتخصيص- وهذا سائغ في مذهب المالكية. وأدخل فيه أيضًا في المادة "85" الحقوق العينية المترتبة على العقار كحقوق الارتفاق والتأمينات، حتى الدعوى المتعلقة بحق عيني على عقار. واعتبار هذه الدعوى عقارًا فيه إغراق في تصور معنى العقار.
هذا وقد يتحول المنقول إلى عقار وبالعكس:
مثال الأول: الأبواب والأقفال وتمديدات الماء والكهرباء تصبح عقارًا باتصالها بالعقار على نحو ثابت.
ومثال الثاني: أنقاض البناء وكل ما يستخرج من الأرض من معادن وأحجار وتراب، تصبح منقولًا بمجرد فصلها عن الأرض.
وتظهر فائدة تقسيم المال إلى عقار ومنقول في طائفة من الأحكام الفقهية التالية:
1- الشفعة: تثبت في المبيع العقار، ولا تثبت في المنقول، إذا بيع مستقلًا عن العقار، فإن بيع المنقول تبعًا للعقار ثبت فيهما الشفعة. وكذلك بيع الوفاء: يختص بالعقار دون المنقول.
2- الوقف: لا يصح عند الحنفية خلافًا لجمهور الفقهاء إلا في العقار. أما المنقول فلا يصح وقفه إلا تبعًا للعقار كوقف أرض وما عليها من آلات وحيوان، أو ورد بصحة وقفه أثر عن السلف كوقف الخيل والسلاح، أو جرى العرف بوقفه كوقف المصاحف والكتب وأدوات الجنازة. ويصح عند غير الحنفية وقف العقار والمنقول على السواء.
3- بيع الوصي مال القاصر: ليس للوصي بيع عقار القاصر إلا بمسوغ شرعي كإيفاء دين أو دفع حاجة ضرورية أو تحقيق مصلحة راجحة. وقد أنيط ذلك بإذن القاضي في قانون الأحوال الشخصية؛ لأن بقاء عين العقار فيه حفاظ على مصلحة القاصر أكثر من حفظ ثمنه.
أما المنقول: فله أن يبيعه متى رأى مصلحة في ذلك. وفي بيع مال المدين المحجوز عليه لوفاء دينه يبدأ أولًا ببيع المنقول، فإن لم يفِ ثمنه انتقل إلى العقار؛ تحقيقًا لمصلحة المدين.
4- يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافًا لبقية الفقهاء بيع العقار قبل قبضه من المشتري، أما المنقول فلا يجوز بيعه قبل القبض أو التسليم؛ لأن المنقول عرضة للهلاك كثيرًا بعكس العقار.
5- حقوق الجوار والارتفاق تتعلق بالعقار، دون المنقول.
6- لا يتصور غصب العقار عند أبي حنيفة وأبي يوسف، إذ لا يمكن نقله وتحويله، ويرى محمد وسائر الفقهاء إمكان غصب العقار، والرأي الأول أخذت به المجلة. أما المنقول فيتصور غصبه باتفاق الفقهاء.
المطلب الثالث: المال المثلي والقيمي:
المال المثلي: ما له مثل أو نظير في الأسواق من غير تفاوت في أجزائه أو وحداته تفاوتًا يعتد به في التعامل. والأموال المثلية أربعة أنواع هي: المكيلات كالقمح والشعير، والموزونات كالقطن والحديد، والعدديات المتقاربة في الحجم كالجوز والبيض، وبعض أنواع الذرعيات -التي تباع بالذراع أو المتر ونحوهما-: وهي التي تتساوى أجزاؤها دون فرق يعتد به، كأثواب الجوخ والقطن والحرير، وألواح البلور، والأخشاب الجديدة.
أما إن تفاوتت أجزاء المذروع كالنسيج غير المتماثل الأجزاء وكالأراضي، فيصبح مالًا قيميًّا لا مثليًّا. وكما يعد المعدود المتقارب من المحصولات الطبيعية من المال المثلي، كذلك يعد المعدود المتماثل من المصنوعات من مادة واحدة وشكل واحد مالًا مثليًّا كأواني الأكل والشرب، والسيارات المتحدة النوع، وأدوات غيارها، والكتب الجديدة المطبوعة.
والمال القيمي: هو ما ليس له نظير أو مثل في السوق، أو له مثل ولكن مع التفاوت المعتد به بين وحداته في القيمة، مثل أفراد الحيوان والأراضي والأشجار والدور وأنواع السجاد والبسط والأحجار الكريمة كالماس والياقوت والكتب المخطوطة أو المستعملة.
ويدخل في المال القيمي: العدديات المتفاوتة القيمة في آحادها كالبطيخ والرمان عند اختلاف أحجامها وأنواعها.
وقد ينقلب المال المثلي قيميًّا وبالعكس، وحالات انقلاب المثلي قيميًّا أربعة هي:
1- الانقطاع من السوق: إذا انقطع وجود المال المثلي من الأسواق انقلب قيميًّا.
2- الاختلاط: إذا اختلط مالان مثليان من جنسين مختلفين كحنطة وشعير، صار الخليط قيميًّا.
3- التعرض للخطر: إذا تعرض المال المثلي للخطر كالحريق أو الغرق، صار له قيمة خاصة.
4- التعيب أو الاستعمال: إذا تعيب المال المثلي أو استعمل، صار له قيمة خاصة.
وانقلاب المال القيمي إلى مثلي يكون في حال الكثرة بعد الندرة، فإذا كان المال نادر الوجود في السوق، ثم أصبح كثير الوجود، صار مثليًّا بعد أن كان له قيمة خاصة.
ويلاحظ أن المال المتقوم أعم من القيمي، فالمتقوم يشمل القيمي والمثلي.
وتظهر فائدة التقسيم إلى مثلي وقيمي فيما يأتي:
1- الثبوت في الذمة: يثبت المال المثلي دينًا في الذمة، أي: بأن يكون ثمنًا في البيع، عن طريق تعيين جنسه وصفته. ويصح بالتالي وقوع المقاصة بين الأموال المثلية.
أما القيمي: فلا يقبل الثبوت دينًا في الذمة، فلا يصح أن يكون ثمنًا، ولا تجري المقاصة بين الأموال القيمية. وإذا تعلق الحق بمال قيمي كرأس غنم أو بقر، يجب أن يكون معينًا بذاته، متميزًا عن سواه، بالإشارة إليه منفردًا، لا مشارًا إليه بالوصف؛ لأن أفراد المال القيمي ولو من نوع واحد غير متماثلة، ولكل واحد منها صفة وقيمة معينة.
2- كيفية الضمان عند التعدي أو الإتلاف: إذا أتلف شخص مالًا مثليًّا، مثل كمية من القمح أو السكر، وجب عليه ضمان مثله، حتى يكون التعويض على أكمل وجه، والمثل أقرب إلى الشيء المتلف صورة ومعنى، أي: مالية. أما القيمي فيضمن المتعدي قيمته؛ لأنه يتعذر إيجاب مثله صورة، فيكتفى بإيجاب مثله معنى، أي: من ناحية المالية، وهي القيمة.
3- القسمة الجبرية وأخذ النصيب: تدخل القسمة جبرًا في المال المثلي المشترك، ولكل شريك أخذ نصيبه في غيبة الآخر دون إذنه. أما القيمي: فلا تدخل فيه القسمة الجبرية، ولا يجوز للشريك أخذ نصيبه في غيبة الآخر بدون إذنه؛ لأن القسمة فيها معنى الإفراز والمبادلة، فإذا كان المال مثليًّا كانت جهة الإفراز هي الراجحة لتماثل أجزائه. وإذا كان قيميًّا كانت جهة المبادلة هي الراجحة لعدم تماثل أجزائه، فكأنه أخذ بدل حقه لا عينه.
4- الربا: الأموال القيمية لا يجري فيها الربا المحرم، فيجوز بيع غنمة بغنمتين، أي: يجوز بيع القليل بالكثير من جنسه. أما الأموال المثلية فيجري فيها الربا الحرام الذي يوجب تساوي العوضين المتجانسين في الكمية والمقدار، وتكون الزيادة حرامًا. فلا يجوز بيع قنطار من القمح بقنطار وربع مثلًا، لاشتمال البيع على ما يسمى بربا الفضل، وهذا الربا يختص شرعًا بالمقدرات المثلية من مكيل أو موزون فقط.
الذمة المالية، وخصائصها:
لا يتصور ثبوت دين على إنسان إلا بتصور محل اعتباري مفترض مقدر وجوده في كل إنسان. وهذا المحل المقدر المفترض هو الذمة، فالذمة تختلف عن الأهلية، إذ أن الأهلية: هي صلاحية الشخص لثبوت الحقوق له وتحمل الواجبات. وتحمل الواجبات أو الالتزامات يستلزم وجود محل في الشخص تستقر فيه تلك الواجبات أو الديون. وتبدأ الأهلية ناقصة منذ بدء تكون الجنين، وتكمل أهلية الوجوب بالولادة.
وبالولادة تبدأ الذمة مع بدء تصور وجود العنصر الثاني من تلك الأهلية: وهو عنصر المديونية أو الالتزام، فالأهلية هي الصلاحية، والذمة محل الصلاحية.
فالذمة: هي محل اعتباري في الشخص تقع فيه الديون أوالالتزامات.
أولًا: خصائص الذمة:
للذمة الخصائص التالية:
1- الذمة من صفات الشخصية الطبيعية وهو الإنسان أو الاعتبارية كالشركات والمؤسسات والأوقاف والمساجد. فلا ذمة للجنين قبل ولادته، فلا تصح الهبة له، لكن تصح الوصية له بشرط ولادته حيًّا، ولا ذمة للحيوان، فلو أوصى شخص لدابة وقصد تمليكها فالوصية باطلة، لكن لو كان بقصد الإنفاق عليها صحت الوصية، ويكون المقصود بها مالكها. ولا يتعين صرف الموصى به للنفقة على الدابة عند الحنفية، ويتعين ذلك لعلف الدابة عند الشافعية.
2- لا بد لكل شخص بعد ولادته من ذمة، حتى ولو كانت فارغة بريئة؛ لأن الذمة من توابع الشخصية، وتلازم العنصر الثاني من أهلية الوجوب، وهذه الأهلية مناطها الصفة الإنسانية، فتلازم الإنسان منذ وجوده.
3- لا تتعدد الذمة، فلكل شخص ذمة واحدة، ولا اشتراك بين أشخاص في الذمة.
4- الذمة لا حدّ لسعتها، فهي تتسع لكل الديون مهما عظمت؛ لأن الذمة ظرف اعتباري، يتسع لكل الالتزامات.
5- الذمة متعلقة بالشخص، لا بأمواله وثروته، ليتمكن من ممارسة نشاطه الاقتصادي بحرية مطلقة تمكنه من تسديد ديونه، فله التجارة والبيع ولو كان مدينًا بأكثر مما يملك. وله وفاء أي دين متقدم أو متأخر في الثبوت. ولا يحق للدائنين الاعتراض عليه.
6- الذمة ضمان عام لكل الديون بلا تمييز لدين على آخر إلا إذا وجد لصاحب دين حق عيني كالرهن، أو كانت بعض الحقوق الشخصية ذات امتياز كنفقات التجهيز والتكفين، ودين النفقة للزوجة والأولاد الصغار، وديون الضرائب الحكومية.
ثانيًا: انتهاء الذمة:
تبدأ الذمة بالولادة وتنتهي بالوفاة، وللفقهاء آراء ثلاثة في انتهاء الذمة:
الرأي الأول -للحنابلة في رواية عندهم-: انهدام الذمة بمجرد الموت؛ لأن الذمة من خصائص الشخصية، والموت يعصف بالشخص وبذمته. وأما الديون فتتعلق عند أكثر الحنابلة بالتركة، فمن مات ولا تركة له سقطت ديونه.
الرأي الثاني -للمالكية والشافعية وبعض الحنابلة-: بقاء الذمة بعد الموت حتى إيفاء الديون وتصفية التركة: تبقى الذمة بعد الموت حتى تصفى الحقوق المتعلقة بالتركة. فيصح للميت اكتساب حقوق جديدة بعد موته كان سببًا لها، كمن نصب شبكة للاصطياد، فوقع فيها حيوان، فإنه يملكه، وتظل ذمة الميت باقية بعد موته حتى تسدد ديونه، لقوله عليه السلام: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه.
ويمكن أن تشغل ذمة الميت بعد موته بديون جديدة، كشغلها بثمن المبيع الذي رده المشتري على البائع بعد موته بسبب عيب ظهر فيه. وكالتزامه بضمان قيمة ما وقع في حفرة حفرها الشخص قبل موته، في الطريق العام. وتصح الكفالة بعد الموت بما على الميت المفلس من ديون؛ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلم- صحح هذه الكفالة. وتصح عند المالكية لا الشافعية والحنابلة الوصية لميت. ويقتصر أثر الموت في هذا الرأي على عدم مطالبة الميت بالحقوق، وإنما يطالب ورثته بأداء الحقوق لأصحابها.
الرأي الثالث -للحنفية-: ضعف الذمة:
إن الموت لا يهدم الذمة، لكن يضعفها، فتبقى بقدر الضرورة لتصفية الحقوق المتعلقة بالتركة التي لها سبب في حال الحياة. فيكتسب الميت بعد موته ملكية جديدة كما في صورة نصب الشبكة للصيد، ويلتزم بالديون التي تسبب بها الشخص قبل موته، كرد المبيع المعيب عليه والتزامه بالثمن، وضمان ما وقع في حفرة حفرها في الطريق العام. لكن لا تصح كفالة دين على ميت مفلس عند أبي حنيفة خلافًا للصاحبين. ولا تصح الوصية للميت أو الهبة له. وبهذين الحكمين الأخيرين يفترق الرأي الثالث عن الرأي الثاني.
المطلب الرابع: المال الاستهلاكي والاستعمالي:
المال الاستهلاكي: هو الذي لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه، كأنواع الطعام والشراب والحطب والنفط والورق والنقود. فلا يمكن الانتفاع بهذه الأموال ما عدا النقود إلا باستئصال عينها. وأما النقود فاستهلاكها يكون بخروجها من يد مالكها، وإن كانت أعيانها باقية بالفعل.
والمال الاستعمالي: هو ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالعقارات والمفروشات والثياب والكتب ونحوها.
وينظر إلى الانتفاع المميز بين النوعين لأول مرة، لا إلى حالات الاستعمال المتكررة. فإن زالت عين الشيء من أول انتفاع كان مالًا استهلاكيًا، وإن بقيت عينه حينئذ كان مالًا استعماليًّا.
وتظهر فائدة التقسيم فيما يأتي:
يقبل كل نوع من هذين المالين نوعًا معينًا من العقود. فالمال الاستهلاكي يقبل العقود التي غرضها الاستهلاك لا الاستعمال كالقرض وإعارة الطعام. والمال الاستعمالي يقبل العقود التي هدفها الاستعمال دون الاستهلاك كالإجارة والإعارة.
فإن لم يكن الغرض من العقد هو الاستعمال وحده أو الاستهلاك وحده، صح أن يرد على كلا النوعين - الاستعمالي والاستهلاكي- كالبيع والإيداع، يصح ورودهما على كل من النوعين على السواء.
ع2:
أقسام المال في الفقه الإسلامي، والآثار المترتبة على هذه التقسيمات المختلفة
ج2:
الموسوعة الفقهية الكويتية، لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت.
أقسام المال:
قسّم الفقهاء المال تقسيماتٍ كثيرةً بحسب الاعتبارات الفقهيّة المتعدّدة، وذلك على النّحو التّالي:
أ- بالنّظر إلى التّقوم:
لم يجعل الحنفيّة من عناصر الماليّة إباحة الانتفاع شرعًا، واكتفوا باشتراط العينيّة والانتفاع المعتاد وتمول النّاس في اعتبار الشّيء مالًا، وقد حداهم التزام هذا المفهوم للمال إلى تقسيمه إلى قسمين: متقوّمٍ، وغير متقوّمٍ.
فالمال المتقوّم عندهم: هو ما يباح الانتفاع به شرعًا في حالة السّعة والاختيار.
والمال غير المتقوّم: هو ما لا يباح الانتفاع به في حالة الاختيار، كالخمر والخنزير بالنّسبة للمسلم. أما بالنّسبة للذّمّيّين فهي مال متقوّم؛ لأنّهم لا يعتقدون حرمتها ويتموّلونها، وقد أمرنا بتركهم وما يدينون.
وقد بنوا على ذلك التّقسيم: أنّ من اعتدى على مالٍ متقوّمٍ ضمنه، أمّا غير المتقوّم فالجناية عليه هدر، ولا يلزم متلفه ضمان. كما أنّ إجازة التّصرف الشّرعيّ بالمال منوطة بتقومه، فالمال المتقوّم يصح التّصرف فيه بالبيع والهبة والوصيّة والرّهن وغيرها.
أمّا غير المتقوّم فلا يصح التّصرف فيه شرعًا بأيّ نوعٍ من هذه التّصرفات ونحوها. على أنّه لا تلازم بين التّقوم بهذا المعنى وبين الماليّة في نظر الحنفيّة، فقد يكون الشّيء متقوّمًا، أي: مباح الانتفاع، ولا يكون مالًا، لفقدان أحد عناصر الماليّة المتقدّمة عندهم، وذلك كالحبّة من القمح والكسرة الصّغيرة من فتات الخبز والتراب المبتذل ونحو ذلك.
نقل ابن نجيمٍ عن طالكشف الكبير": الماليّة تثبت بتمول النّاس كافّةً أو بعضهم، والتّقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعًا، فما يباح بلا تمولٍ لا يكون مالًا، كحبّة حنطةٍ، وما يتموّل بلا إباحة انتفاعٍ لا يكون متقوّمًا كالخمر، وإذا عدم الأمران لم يثبت واحد منهما كالدّم.
قال ابن عابدين: وحاصله: أنّ المال أعم من المتقوّم؛ لأنّ المال ما يمكن ادّخاره ولو غير مباحٍ كالخمر، والمتقوّم ما يمكن ادّخاره مع الإباحة، فالخمر مال، لا متقوّم.
ويرى الحنفيّة من جهةٍ أخرى أنّ عدم التّقوم لا ينافي الملكيّة، فقد تثبت الملكيّة للمسلم على مالٍ غير متقوّمٍ، كما لو تخمّر العصير عنده، أو عنده خمر أو خنزير مملوكين له وأسلم عليهما، ومات قبل أن يزيلهما وله وارث مسلم فيرثهما، واصطاد الخنزير، وذلك لأنّ الملكيّة تثبت على المال، والماليّة ثابتة في غير المتقوّم، ولكنّ عدم التّقوم ينافي ورود العقود من المسلم على المال غير المتقوّم.
وقد يراد أحيانًا بالمتقوّم على ألسنة فقهاء الحنفيّة معنى المحرز، حيث إنّهم يطلقون مصطلح غير المتقوّم أيضًا على المال المباح قبل الإحراز، كالسّمك في البحر، والأوابد من الحيوان، والأشجار في الغابات، والطّير في جوّ السّماء، فإذا اصطيد أو احتطب صار متقوّمًا بالإحراز.
أما جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة الحنابلة فقد اعتبروا إباحة الانتفاع عنصرًا من عناصر الماليّة، فالشّيء إذا لم يكن مباح الانتفاع به شرعًا فليس بمال أصلًا، ولذلك لم يظهر عندهم تقسيم المال إلى متقوّمٍ وغير متقوّمٍ بالمعنى الّذي قصده الحنفيّة، وهم إذا أطلقوا لفظ المتقوّم أرادوا به ما له قيمة بين النّاس وغير المتقوّم ما ليس له قيمةً في عرفهم.
وعلى ذلك جاء في شرح الرّصّاع على حدود ابن عرفة: أنّ المعتبر في التّقويم إنّما هو مراعاة المنفعة الّتي أذن الشّارع فيها، وما لا يؤذن فيه فلا عبرة به، فلا تعتبر قيمته، لأنّ المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًّا.
وعلى ذلك فلم يعتبر جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والحنابلة الخمر والخنزير في عداد الأموال أصلًا بالنّسبة للمسلم والذّمّيّ على حدٍّ سواءٍ، ولم يوجبوا الضّمان على متلفهما مطلقًا، في حين عدّهما الحنفيّة مالًا متقوّمًا في حقّ الذّمّيّ، وألزموا متلفهما مسلمًا كان أم ذمّيًا الضّمان.
وقد وافق المالكيّة الحنفيّة في وجوب الضّمان على متلف خمر الذّمّيّ، لاعتباره مالًا في حقّ الذّمّيّ لا في حقّ المسلم عندهم، دون أن يوافقوا الحنفيّة على تقسيمهم المال إلى متقوّمٍ وغير متقوّمٍ بالمعنى الّذي أرادوه.
ب- بالنّظر إلى كونه مثليًا أو قيمي:
قسّم الفقهاء المال إلى قسمين: مثليٍّ، وقيميٍّ.
فالمال المثلي: هو ما يوجد مثله في السوق بدون تفاوتٍ يعتد به.
وهو في العادة: إمّا مكيل -أي: مقدّر بالكيل- كالقمح والشّعير ونحوهما، أو موزون كالمعادن من ذهبٍ وفضّةٍ وحديدٍ ونحوها، أو مذروع كأنواع من المنسوجات الّتي لا تفاوت بينها، أو معدود كالنقود المتماثلة والأشياء الّتي تقدّر بالعدد، وليس بين أفرادها تفاوت يعتد به، كالبيض والجوز ونحوهما.
والمال القيمي: هو ما لا يوجد له مثل في السوق، أو يوجد لكن مع التّفاوت المعتدّ به في القيمة، وقد سمّي هذا النّوع من الأموال قيميًا نسبةً للقيمة الّتي يتفاوت بها كل فردٍ منه عن سواه.
ومن أمثلة القيميّ: كل الأشياء القائمة على التّغاير في النّوع أو في القيمة أو فيهما معًا كالحيوانات المتفاوتة الآحاد من الخيل والإبل والبقر والغنم ونحوها، وكذا الدور والمصنوعات اليدويّة من حليٍّ وأدواتٍ وأثاثٍ منزليٍّ الّتي تتفاوت في أوصافها ومقوّماتها، ويتميّز كل فردٍ منها بمزايا لا توجد في غيره، حتّى أصبح له قيمة خاصّة به.
ومنها أيضًا: المثليّات الّتي فقدت من الأسواق أو أصبحت نادرةً، كبعض المصنوعات القديمة الّتي انقطعت من الأسواق، وأصبح لها اعتبار خاص في قيمتها ينقلها إلى زمرة القيميّات وكذا كل وحدةٍ لم تعدّ متساويةً مع نظائرها من وحدات المثليّ، بأن نقصت قيمتها لعيب أو استعمالٍ أو غير ذلك، فإنّها تصبح من القيميّات، كالأدوات والآلات والسّيّارات بعد استعمالها، وذلك لتغير أوصافها وقيمها. والواجب في إتلاف المثليّات هو ضمان المثل؛ لأنّه البدل المعادل، بخلاف القيميّات فإنّها تضمن بالقيمة، إذ لا مثل لها.
والمثلي يصح كونه دينًا في الذّمّة باتّفاق الفقهاء، أمّا القيمي فهناك تفصيل وخلاف في جواز جعله دينًا في الذّمّة.
ج- بالنّظر إلى تعلق حقّ الغير به:
ينقسم المال بالنّظر إلى تعلق حقّ الغير به إلى قسمين:
ما تعلّق به حق غير المالك، وما لم يتعلّق به حق لغير مالكه.
فالمال الّذي تعلّق به حق الغير: هو الّذي ارتبطت عينه أو ماليّته بحقّ مقرّرٍ لغير ملاكه، كالمال المرهون، فلا يكون لمالكه أن يتصرّف فيه بما يخل بحقوق المرتهن.
وأمّا المال الّذي لم يتعلّق به حق الغير: فهو المال الخالص لمالكه، دون أن يتعلّق به حق أحدٍ غيره ولصاحبه أن يتصرّف فيه -رقبةً ومنفعةً- بكلّ وجوه التّصرف المشروعة، بدون توقفٍ على إذن أحدٍ أو إجازته لسلامته وخلوصه من ارتباط حقّ الغير به.
د- بالنّظر إلى النّقل والتّحويل:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى إمكان نقله وتحويله إلى قسمين: منقول، وعقار. فالمال المنقول: هوّ كل ما يمكن نقله وتحويله، فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات وما أشبه ذلك.
والعقار: هو ما له أصل ثابت لا يمكن نقله وتحويله، كالأراضي والدور ونحوها. قال أبو الفضل الدّمشقي: العقار صنفان:
أحدهما: المسقّف، وهو الدور والفنادق والحوانيت والحمّامات والأرحية والمعاصر والفواخير والأفران والمدابغ والعراص.
والآخر: المذدرع، ويشتمل على البساتين والكروم والمراعي والغياض والآجام وما تحويه من العيون والحقوق في مياه الأنهار.
وقد اختلف الفقهاء في البناء والشّجر الثّابت، هل يعتبران من العقار أم المنقول؟ فذهب جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّهما من العقار.
وقال الحنفيّة: يعتبران من المنقولات، إلا إذا كانا تابعين للأرض، فيسري عليهما حينئذٍ حكم العقار بالتّبعيّة.
هـ- بالنّظر إلى النّقديّة:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى اتّصافه بالنّقديّة إلى قسمين: نقود، وعروض.
فالنقود: جمع نقدٍ، وهو الذّهب والفضّة وعلى ذلك نصّت مجلّة "الأحكام العدليّة" على أنّ النّقد هو: عبارة عن الذّهب والفضّة، سواء كانا مسكوكين أو لم يكونا كذلك، ويقال للذّهب والفضّة: النّقدان.
ويلحق بالذّهب والفضّة في الحكم الأوراق الرّائجة في العصر الحاضر.
والعروض: جمع عرضٍ، وهو كل ما ليس بنقد من المتاع.
قال في "المغني": العرض هو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه، من النّبات والحيوان والعقار وسائر المال.
وقد أدخل بعض فقهاء الحنابلة النّقد في العروض إذا كان متّخذًا للاتّجار به، تأسيسًا على أنّ العرض هو كل ما أعدّ لبيع وشراءٍ لأجل الرّبح، ولو من نقدٍ، قال البهوتيّ: سمّي عرضًا؛ لأنّه يعرض ليباع ويشترى، تسميةً للمفعول بالمصدر، كتسمية المعلوم علمًا، أو لأنّه يعرض ثمّ يزول ويفنى.
و- بالنّظر إلى رجاء صاحبه في عوده إليه:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى رجاء صاحبه في عوده إليه بعد زوال يده عنه إلى قسمين: ضمار، ومرجوّ.
فالمال الضّمار: هو المال الّذي لا يتمكّن صاحبه من استنمائه لزوال يده عنه، وانقطاع أمله في عوده إليه.
وأصله من الإضمار، وهو في اللغة: التّغيب والاختفاء. وعلى ذلك عرّفه صاحب المحيط من الحنفيّة بقوله: هو كل ما بقي أصله في ملكه، ولكن زال عن يده زوالًا لا يرجى عوده في الغالب.
وقال سبط بن الجوزيّ: وتفسير الضّمار أن يكون المال قائمًا، وينسدّ طريق الوصول إليه. ومن أمثلته: المال المغصوب إذا لم يكن لصاحبه على الغاصب بيّنة، والمال المفقود كبعير ضالٍّ وعبدٍ آبقٍ، إذ هو كالهالك لعدم قدرة صاحبه عليه، وكذا المال السّاقط في البحر، لأنّه في حكم العدم، والمال المدفون في برّيّةٍ أو صحراء إذا نسي صاحبه مكانه، والدّين المجحود إذا جحده المدين علانيةً، ولم يكن لصاحبه عليه بيّنة.
والمال المرجو: هو المال الّذي يرجو صاحبه عوده إليه، لإقرار صاحب اليد له بالملك، وعدم امتناعه عن الرّدّ عند الطّلب أو عند حلول الأجل المضروب لردّه، ومنه الدّين المقدور عليه، الّذي يأمل الدّائن اقتضاءه، لكون المدين حاضرًا مقرًا به مليئًا باذلًا له، أو جاحدًا له، لكن لصاحبه عليه بيّنة. وإنّما سمّي كذلك من الرّجاء، الّذي هو في اللغة: ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة. وتظهر ثمرة هذا التّقسيم في باب الزّكاة، حيث اختلف الفقهاء في زكاة المال الضّمار وما يتعلّق بها من الأحكام.
ز- بالنّظر إلى نمائه:
قسّم الفقهاء المال بالنّظر إلى نمائه أو عدم نمائه إلى قسمين: نامٍ، وقنية.
فالمال النّامي: هو الّذي يزيد ويكثر، من النّماء الّذي يعني في اللغة الزّيادة والكثرة.
وهو في الشّرع نوعان: حقيقي، وتقديري.
فالحقيقي: الزّيادة بالتّوالد والتّناسل والتّجارات.
والتّقديري: تمكنه من الزّيادة، بكون المال في يده أو يد نائبه.
ومال القنية: هو الّذي يتّخذه الإنسان لنفسه لا للتّجارة.
قال الأزهري: القنية: المال الّذي يؤثّله الرّجل ويلزمه ولا يبيعه ليستغلّه.
ويظهر أثر التّقسيم في الزّكاة، إذ أنّها تجب في المال النّامي دون مال القنية.
الزّكاة في الأموال الظّاهرة والباطنة:
الأموال بالنّظر إلى وجوب دفع زكاتها إلى وليّ الأمر لتوزيعها على مستحقّيها قسمان: باطنة وظاهرة.
وجمهور الفقهاء: على أنّ أداء زكاة الأموال الباطنة مفوّض إلى أربابها، أمّا الأموال الظّاهرة ففيها تفصيل.
التّخلص من المال الحرام:
إذا كان المال الّذي في يد المسلم حرامًا، فإنّه لا يجوز له إمساكه ويجب عليه التّخلص منه، وهذا المال إمّا أن يكون حرامًا محضًا، وقد سبق بيان حكمه وطريقة التّخلص منه في مصطلح: كسب.
وإمّا أن يكون مختلطًا بأن كان بعضه حلالًا وبعضه حرامًا ولا يتميّز بعضه عن بعضٍ فجمهور الفقهاء على أنّه يجب على من بيده هذا المال أن يخرج قدر الحرام ويدفعه لمستحقّه ويكون الباقي في يده حلالًا.
قال أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه: إن كان المال كثيرًا أخرج منه قدر الحرام وتصرّف في الباقي، وإن كان المال قليلًا اجتنبه كلّه؛ وهذا لأنّ القليل إذا تناول منه شيئًا، فإنّه تبعد معه السّلامة من الحرام بخلاف الكثير.
وذهب بعض الغلاة من أرباب الورع كما قال ابن العربيّ إلى أنّ المال الحلال إذا خالطه حرام حتّى لم يتميّز، ثمّ أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحلّ ولم يطب؛ لأنّه يمكن أن يكون الّذي أخرج هو الحلال والّذي بقي هو الحرام.
ما يتعلّق بالمال من حقوقٍ:
الحقوق المتعلّقة بالمال إمّا حقوق للّه تعالى وإمّا حقوق للعباد.
أما حقوق اللّه تعالى: فهي ما يتعلّق به النّفع العام فلا يختص به أحد، وإنّما هو عائد على المجموع، ونسب هذا الحق إلى اللّه تعالى تعظيمًا لشأنه. ومن هذه الحقوق: زكاة المال وصدقة الفطر والكفّارات والخراج على الأرض الزّراعيّة وغيرها من الحقوق.
وأمّا حقوق العباد: فهي ما لبعض العباد على غيرهم من الحقوق الماليّة كثمن المبيع والدّين والنّفقات وغيرها من الحقوق.
الأموال الرّبويّة وغيره:
الأموال تنقسم إلى قسمين:
أ- الأموال الرّبويّة: وقد اتّفق الفقهاء منها على الأصناف السّتّة الّتي ورد بها حديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة والبر بالبرّ والشّعير بالشّعير والتّمر بالتّمر والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)).
ب- الأموال غير الرّبويّة: وهي ما عدا الأصناف السّتّة الواردة في الحديث والأصناف الّتي ألحقها الفقهاء بهذه الأصناف لوجود علّة التّحريم.

1 komentar:

  1. Saya sangat berterima kasih banyak Kpd Kyai SANJAYA, atas bantuan pesugihan dana ghaib nya kini kehidupan kami sekeluarga sudah jauh lebih baik dari sebelumnya,ternyata apa yang tertulis didalam blok Kyai SANJAYA, itu semuanya benar benar terbukti dan saya adalah salah satunya orang yang sudah membuktikannya sendiri,usaha yang dulunya bangkrut kini alhamdulillah sekaran sudah mulai bangkit lagi itu semua berkat bantuan beliau,saya tidak pernah menyangka kalau saya sudah bisa sesukses ini dan kami sekeluarga tidak akan pernah melupakan kebaikan Kyai,,bagi anda yang ingin dibantu sama Kyai SANJAYA silahkan hubungi Kyai di 082-399-986-107 insya allah beliau akan membantu anda dengan senang hati,pesugihan ini tanpa resiko apapun

    BalasHapus

Please Uktub Your Ro'yi Here...