أحكام التصوير في الفقه الإسلامي
الخاتمة : في نهاية هذا البحث المتواضع ، والجهد اليسير أحمد الله تعالى - وأشكره ، حمدا وشكرا دائمين ، متلازمين ، لا يحصي عددهما إلا هو سبحانه وتعالى على ما أمدني به من العون ،والتيسير ، والجهد والصحة والسلامة من المشاغل التي تعيق عن المواصلة والاستمرار .
فله الحمد والثناء المتكرر على انتهائي بفضله وكرمه وإحسانه ، من كتابة هذه الرسالة وبحث مسائلها ، وجزئياتها .
وأسأله سبحانه وتعالى - الذي حفظنا فيما مضى أن يحفظنا فيما بقي ، وأن يجعل خير أعمالنا آخرها ، وخير أيامنا يوم نلقاه ، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا : لا اله إلا الله إنه قريب مجيب .
أما بعد :
فقد تناولت في هذا البحث المسائل والجزئيات التي تضمنها موضوع ( أحكام التصوير في الفقه الإسلامي ) .
وحرصت أشد الحرص أن يكون البحث وافيا ، وشاملا لكل ما له علاقة وارتباط بالموضوع المذكور ، فأضفت عددا من المسائل الهامة التي لم تكن في الخطة المقررة من قبل مجلس الكلية ، وذلك لما رأيت لها من الصلة ، والارتباط بموضوع البحث .
كما حرصت على حسن الترتيب بين الأبواب ، والفصول ، وحسن التنسيق ، ليكون ذلك أقرب إلى الوضوح وتمام الفائدة .
وظهر لي من خلال بحث مسائل الموضوع وجزئياته النتائج التالية :
1- أن التصوير في اللغة : هو صناعة الصورة ، واختراعها ، سواء كانت مجسمة ، أو مسطحة ، كما أن لفظ صورة تطلق على حقيقة الشيء وهيئته ،و على صفة الشيء وعلى النوع ، والصنف .
كما تطلق- أيضاً- على الوجه، وعلى ما يرسم في الذهن وعلى العقل .
2- أن للفظ التصوير ألفاظا مرادفة ، أهمها : لفظ (( التمثيل ))و(( الرسم )) و (( النحت )) و (( النقش )) و (( الرقم )) و (( التزويق )) و (( الوشي )) .
3- أن أنواع التصوير بالنظر إلى الوسيلة - نوعان :
أولهما : التصوير اليدوي ، ويشمل التصوير المجسم من ذوات الظل ، والتصوير المسطح .
وثانيهما : التصوير الآلي ، ويتضمن التصوير الفوتوغرافي ، والتلفزيوني ، والسينمائي ، والتصوير بالأشعة .
4- أن الصورة باعتبار ذات الصورة - نوعان - كذلك: أولهما: صور ذوات الروح، من بني الإنسان، والحيوان.
وثانيهما : صور غير ذوات الروح ، من المخلوقات الكونية ، النامية ، منها : كالأشجار والنباتات ، وغير النامية - كالجبال والأحجار والأفلاك ونحوها .
5- أن التصوير في الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية - يأتي بمعنى التشكيل ، والتخطيط ، والتخليق ، والتمثيل ، والتقويم ، والتشبيه ، والتزويق ، والتكوين ، والتخييل ، والتحويل ، والتقدير ، والتسوية، والتصنيع ، كما أن الصورة تطلق على الصورة الحسية ، الظاهرة ، والصورة المعنوية الباطنة .
6- أنه لا فرق بين الصنم ، والوثن ، من حيث الإطلاق اللغوي ، بل كل منهما يطلق على الآخر ، كما أنه لا فرق أيضا بين التمثال ، والصورة في إطلاق كل منهما على الآخر .
7- أن النصب- في الاستعمال اللغوي - يطلق على النتوء ، والبروز كما يطلق ويراد به التعب ، والإعياء إذا كان بفتح الصاد ، أو بكسرها على لغته ، ويطلق - أيضا - ويراد به الشر والبلاء .
8- أن لصناعة الصور والتصوير أسبابا متعددة تدعو إلى ذلك ، من أهمها : صناعة الصور محبة وتعظيما لصاحب الصورة ، أو لأسباب أمنية ، أو إدارية ، أو صحية ، أو تعليمية أو إعلامية ، أو اقتصادية ، وصناعية ، أو مادية تجارية ، أو لأسباب تاريخية ، أو فنية تجميلية أو ما أشبه ذلك .
9- أن الشريعة الإسلامية جاءت بسد الذرائع والطرق التي قد تفضي إلى الوقوع في المحرمات ، أو ما هو أعظم من المحرم ، كالشرك والكفر بالله رب العالمين .
10- سماحة الشريعة الإسلامية وسهولتها ،ومن أبرز ما يبين سماحتها وسهولتها : رفع الحرج عن المكلف ، والتيسير عليه بإباحة ما قد يضطر إليه من المحرمات ، بقدر ما يدفع ضرورته ويرفع الحرج عنه .
11- إباحة صناعة صور غير ذوات الروح عموما ، وإباحة اتخاذها ، سواء كانت صورا لأشجار ، أو أحجار، أو أنهار ، أو غير ذلك ، لوجود الدليل على جواز صناعتها واتخاذها .
12- تحريم صناعة صور ذوات الروح عموما ، مجسمة كانت أو مسطحة ، وتحريم استعمالها بنصب ، أو تعليق في بيت ، أو شارع أو حديقة أو غير ذلك ، سواء كانت نصفية أو كاملة ،مشوهة ،أو غير مشوهة ، خيالية ، يدوية أو آلية لأن كل ما ذكر يسمى صورة لغة ، وشرعا ، وعرفا ، مع وجود الفارق بين كل من التصوير المجسم ، والمسطح ، والآلي ، من حيث شدة التحريم وخفته . وسواء كانت في ثياب ، أو ستار معلق ، أو خاتم ، أو آنية ، أو كانت الآنية على شكل صور مجسمة ، أو غير ذلك مما يكون وضع الصورة فيه مشعرا بتكريمها وصيانتها عن الامتهان والابتذال .
وسواء كانت الصورة صغيرة أو كبيرة ما دامت واضحة المعالم ، والرأس باق فيها .
وذلك لعموم النصوص النبوية الواردة بتحريم صناعة سائر الصور لذوات الروح ، واتخاذها ، ولما في ذلك من المضاهاة لخلق الله تعالى في التصوير اليدوي ، والوقوع في مشابهة عباد الصور والأصنام ، وما قد تفضي إليه تلك الصور من تعظيم غير الله تعالى ، وعبادة غيره سبحانه .
ويستثنى من أصل تحريم صور ذوات الروح ما يلي :
أولا : ما تدعو إليه الضرورة، أو تقتضيه المصلحة العامة المعتبرة، وذلك مثل ما يحتاج إليه من الصور في المجال الأمني أو الحربي ، أو الإداري ، أو التعليمي ، أو الإعلامي ، أو الطبي ، أو غير ذلك من المجالات الخاصة منها ، والعامة ، وسواء كانت الصور المذكورة من ذوات الظل ، أو من غيرها ، يدوية أو آلية ، ثابتة أو متحركة ، لأن الضرورات تبيح المحظورات ، ولكن ذلك مقيد بما تندفع به الضرورة ، أو تحقق به المصلحة فقط .
ثانيا : إذا كانت صورة ذوات الروح مقطوعة الرأس ، إن كانت مجسمة أو ممحوة ، إن كانت مسطحة لأنها تكون حينئذ كهيئة الشجرة ، ولا يغني عن ذلك خيط في العنق ، لإيهام فصل الرأس عن الجسد .
ثالثا : لعب الأطفال التي كانت معروفة في العهد القديم ، والتي تصنع من الخرق ، والرقاع ، دون ما تصنعها المصانع المعاصرة ، من مادة البلاستيك ونحوه بشكل يضاهي خلق الله تعالى ، وذلك لما فيها من قوة المشابهة والمضاهاة لخلق الله تعالى ، ولما في بعضها من إثارة الغرائز ، وكوامن الفطرة .
رابعا : ما كان من صور ذوات الروح ممتهنا ، مبتذلا ، وذلك كالصور التي تكون على الفرش ،والمخاد ، والأواني إذا كانت الصورة فيها غير مرتفعة ، أو كانت الآنية غير مرتفعة كالصحون ، والأطباق ، ونحوهما ، مما يستخدم منها خاصة ، فيجوز استخدام الصور المهانة ، دون صناعتها فتحرم بكل حال ، لما في صناعتها من المضاهاة إن كانت يدوية .
13- تحريم تحنيط جثة الإنسان من بني آدم ، لما فيه من مخالفة سنة الله في الدفن ، وتعريض الميت للإهانة من جهة ، ولما يسببه من إثارة الحزن على أهله ومحبيه من جهة أخرى . ويستثنى من ذلك : حالة الضرورة إلى تحنطيه وإبقاء جثته لأجل معرفته ، وإحقاق الحق ، و إبطال الباطل ، فيما إذا مات أو قتل مجهولا ، إن لم يكن هناك وسيلة غير التحنيط . ويحرم تحنيط الحيوانات من غير بني آدم لما فيه من إضاعة المال ، وفتح باب الاعتقادات الباطلة بأنها تجلب نفعا ، أو تدفع ضررا .
14- جواز قيام الصورة الآلية مقام الرؤية في عقود المعاوضات المالية بشرط سلامة الصورة من إدخال تحسينات عليها لم تكن في المعقود عليه ، وكون الصورة واضحة جلية ، بحيث تصف واقع السلعة كما هي ، فيجوز ذلك قياسا على صحة البيع بالأنموذج ، والبيع بالوصف المنضبط ، فإن اختل واحد من هذين الشرطين فلا يصح حينئذ .
وعدم قيام الصور الفوتوغرافية مقام الرؤية بين الخاطبين ، في إحالة إمكان الرؤية البصرية المباشرة ، وذلك لأنه لا يمكن الكشف بواسطة الصورة الفوتوغرافية - عن أوصاف لا بد من معرفتها ، بالإضافة إلى موانع أخرى ، فإن كانت الرؤية المباشرة متعذرة جاز قيامها حينئذ ، لأن ما لا يدرك كله ، لا يترك جله ، وأما إن كانت سينمائية صح قيامها مقام الرؤية المذكورة ، بشرط سلامتها من التزوير ، والتحريف ، وعدم انتشار الصورة .
15- جواز تمويل صور ذوات الروح التي تدعو إليها ضرورة ، أو تقتضيها المصلحة العامة ، سواء كان تمويلها من المال العام ، أو الخاص ، كما يجوز اتخاذها حرفة ، ومهنة للتكسب المادي ، ويجوز بيعها وشراؤها ، وإجارتها واستعارتها ، وهبتها ، ويصح التعاقد عليها بسائر عقود التعامل .
ويجب الضمان على من أتلفها ، أو اغتصبها ، ويجب القطع بسرقة ما بلغ منها نصابا ، إن كانت متقومة ، والتعزير فيما لم يبلغه ، أو كان غير متقوم .
وذلك لأن ما أباحته الضرورة ، أو اقتضته المصلحة يكون من جملة الأموال المحترمة التي يجب المحافظة عليها ، مادامت الضرورة إلى ذلك باقية .
وآلات هذا القسم من الصور تبع لها في كل ما سبق ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، والتابع تابع ، ولأن ما جاز بيعه ، وشراؤه جاز التعاقد عليه بسائر العقود ،ووجبت المحافظة عليه .
وأما ما كان من الصور المذكورة بخلاف ما ذكر ، فإنه لا يجوز تمويلها ولا احترافها ، ولا التعاقد عليها بأي نوع من أنواع العقود ، وثمنها محرم والعقد غير نافذ ، لأن ما حرم عينه حرم بيعه وشراؤه ، وثمنه ، وحرمت الإعانة عليه بقول أو فعل ، وعلى ذلك ، فلا يضمن متلفها ، ولا يقطع سارقها لإهدار قيمتها شرعا ، وعلى المتلف والسارق التعزير ، إن كان فعله إفتياتا على ولي الأمر .
هذا إن كانت الصورة هي المقصودة بالعقد ، وأما إن كان المقصود هو ما فيه الصورة ، وهي تبع فينظر ، إن كانت الصورة في وضع مهان صح العقد بدون إثم ، وإن كان وضعها مشعرا بتكريمها ، وصيانتها صح العقد مع الحرمة ، والإثم .
وآلات هذا القسم من الصور فيها احتمالان : أقواهما في نظري أن المنظور إليه - في هذه الحال - إنما هو فعل الفاعل ،وبناء على ذلك يجوز تمويلها ، واحترافها ، والتعاقد عليها بسائر أنواع العقود ، ويضمن متلفها ، ويقطع سارقها - إن بلغت قيمتها نصابا - وعليه التعزير إن لم تبلغ ، أو بلغت نصابا مع وجود شبهة الإنكار، لأن هذه آله يمكن استخدامها فيما هو مباح ، وليس استخدامها محصورا في المحرم فحسب . وهذا الاحتمال هو الأقوى في نظري لقوة تعليله ، والله أعلم .
كانت هذه هي أهم وأبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال بحث ومسائل الموضوع ، وجزئياته المرسومة في الخطة ، والمسائل التي أضفتها فيما بعد ، نظرا لما رأيت من الصلة والارتباط بالموضوع ، فإن صاحبني في ذلك التوفيق فهذا من فضل الله علي وكرمه وإحسانه .
وإن زل بي قلمي وسوء فهمي عن جادة الصواب إلى الوقوع في الخطأ فذلك مني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء ، وأستغفر الله من ذنبي ،ومن زللي .
وفي نهاية هذه الخاتمة أتقدم بالشكر الوافر، والثناء العاطر لكل من قرأ بحثي هذا ، وأهدي إلى خطأ، أو خللا، لكي أتلافاه قبل فوات الأوان ، وأقول له كما قال الأوائل :
وإن تجد عيبا فسد الخلل فجل من لا عيب فيه وعلا
فإن الإنسان يخطئ مهما بلغ من العلم ، والفطنة ، والذكاء ، فقد يقصر عند بعض المسائل فهمه وينغلق ذهنه ، نظرا لطبيعته البشرية ، والكمال المطلق إنما هو لله وحده جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، و الله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
فله الحمد والثناء المتكرر على انتهائي بفضله وكرمه وإحسانه ، من كتابة هذه الرسالة وبحث مسائلها ، وجزئياتها .
وأسأله سبحانه وتعالى - الذي حفظنا فيما مضى أن يحفظنا فيما بقي ، وأن يجعل خير أعمالنا آخرها ، وخير أيامنا يوم نلقاه ، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا : لا اله إلا الله إنه قريب مجيب .
أما بعد :
فقد تناولت في هذا البحث المسائل والجزئيات التي تضمنها موضوع ( أحكام التصوير في الفقه الإسلامي ) .
وحرصت أشد الحرص أن يكون البحث وافيا ، وشاملا لكل ما له علاقة وارتباط بالموضوع المذكور ، فأضفت عددا من المسائل الهامة التي لم تكن في الخطة المقررة من قبل مجلس الكلية ، وذلك لما رأيت لها من الصلة ، والارتباط بموضوع البحث .
كما حرصت على حسن الترتيب بين الأبواب ، والفصول ، وحسن التنسيق ، ليكون ذلك أقرب إلى الوضوح وتمام الفائدة .
وظهر لي من خلال بحث مسائل الموضوع وجزئياته النتائج التالية :
1- أن التصوير في اللغة : هو صناعة الصورة ، واختراعها ، سواء كانت مجسمة ، أو مسطحة ، كما أن لفظ صورة تطلق على حقيقة الشيء وهيئته ،و على صفة الشيء وعلى النوع ، والصنف .
كما تطلق- أيضاً- على الوجه، وعلى ما يرسم في الذهن وعلى العقل .
2- أن للفظ التصوير ألفاظا مرادفة ، أهمها : لفظ (( التمثيل ))و(( الرسم )) و (( النحت )) و (( النقش )) و (( الرقم )) و (( التزويق )) و (( الوشي )) .
3- أن أنواع التصوير بالنظر إلى الوسيلة - نوعان :
أولهما : التصوير اليدوي ، ويشمل التصوير المجسم من ذوات الظل ، والتصوير المسطح .
وثانيهما : التصوير الآلي ، ويتضمن التصوير الفوتوغرافي ، والتلفزيوني ، والسينمائي ، والتصوير بالأشعة .
4- أن الصورة باعتبار ذات الصورة - نوعان - كذلك: أولهما: صور ذوات الروح، من بني الإنسان، والحيوان.
وثانيهما : صور غير ذوات الروح ، من المخلوقات الكونية ، النامية ، منها : كالأشجار والنباتات ، وغير النامية - كالجبال والأحجار والأفلاك ونحوها .
5- أن التصوير في الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية - يأتي بمعنى التشكيل ، والتخطيط ، والتخليق ، والتمثيل ، والتقويم ، والتشبيه ، والتزويق ، والتكوين ، والتخييل ، والتحويل ، والتقدير ، والتسوية، والتصنيع ، كما أن الصورة تطلق على الصورة الحسية ، الظاهرة ، والصورة المعنوية الباطنة .
6- أنه لا فرق بين الصنم ، والوثن ، من حيث الإطلاق اللغوي ، بل كل منهما يطلق على الآخر ، كما أنه لا فرق أيضا بين التمثال ، والصورة في إطلاق كل منهما على الآخر .
7- أن النصب- في الاستعمال اللغوي - يطلق على النتوء ، والبروز كما يطلق ويراد به التعب ، والإعياء إذا كان بفتح الصاد ، أو بكسرها على لغته ، ويطلق - أيضا - ويراد به الشر والبلاء .
8- أن لصناعة الصور والتصوير أسبابا متعددة تدعو إلى ذلك ، من أهمها : صناعة الصور محبة وتعظيما لصاحب الصورة ، أو لأسباب أمنية ، أو إدارية ، أو صحية ، أو تعليمية أو إعلامية ، أو اقتصادية ، وصناعية ، أو مادية تجارية ، أو لأسباب تاريخية ، أو فنية تجميلية أو ما أشبه ذلك .
9- أن الشريعة الإسلامية جاءت بسد الذرائع والطرق التي قد تفضي إلى الوقوع في المحرمات ، أو ما هو أعظم من المحرم ، كالشرك والكفر بالله رب العالمين .
10- سماحة الشريعة الإسلامية وسهولتها ،ومن أبرز ما يبين سماحتها وسهولتها : رفع الحرج عن المكلف ، والتيسير عليه بإباحة ما قد يضطر إليه من المحرمات ، بقدر ما يدفع ضرورته ويرفع الحرج عنه .
11- إباحة صناعة صور غير ذوات الروح عموما ، وإباحة اتخاذها ، سواء كانت صورا لأشجار ، أو أحجار، أو أنهار ، أو غير ذلك ، لوجود الدليل على جواز صناعتها واتخاذها .
12- تحريم صناعة صور ذوات الروح عموما ، مجسمة كانت أو مسطحة ، وتحريم استعمالها بنصب ، أو تعليق في بيت ، أو شارع أو حديقة أو غير ذلك ، سواء كانت نصفية أو كاملة ،مشوهة ،أو غير مشوهة ، خيالية ، يدوية أو آلية لأن كل ما ذكر يسمى صورة لغة ، وشرعا ، وعرفا ، مع وجود الفارق بين كل من التصوير المجسم ، والمسطح ، والآلي ، من حيث شدة التحريم وخفته . وسواء كانت في ثياب ، أو ستار معلق ، أو خاتم ، أو آنية ، أو كانت الآنية على شكل صور مجسمة ، أو غير ذلك مما يكون وضع الصورة فيه مشعرا بتكريمها وصيانتها عن الامتهان والابتذال .
وسواء كانت الصورة صغيرة أو كبيرة ما دامت واضحة المعالم ، والرأس باق فيها .
وذلك لعموم النصوص النبوية الواردة بتحريم صناعة سائر الصور لذوات الروح ، واتخاذها ، ولما في ذلك من المضاهاة لخلق الله تعالى في التصوير اليدوي ، والوقوع في مشابهة عباد الصور والأصنام ، وما قد تفضي إليه تلك الصور من تعظيم غير الله تعالى ، وعبادة غيره سبحانه .
ويستثنى من أصل تحريم صور ذوات الروح ما يلي :
أولا : ما تدعو إليه الضرورة، أو تقتضيه المصلحة العامة المعتبرة، وذلك مثل ما يحتاج إليه من الصور في المجال الأمني أو الحربي ، أو الإداري ، أو التعليمي ، أو الإعلامي ، أو الطبي ، أو غير ذلك من المجالات الخاصة منها ، والعامة ، وسواء كانت الصور المذكورة من ذوات الظل ، أو من غيرها ، يدوية أو آلية ، ثابتة أو متحركة ، لأن الضرورات تبيح المحظورات ، ولكن ذلك مقيد بما تندفع به الضرورة ، أو تحقق به المصلحة فقط .
ثانيا : إذا كانت صورة ذوات الروح مقطوعة الرأس ، إن كانت مجسمة أو ممحوة ، إن كانت مسطحة لأنها تكون حينئذ كهيئة الشجرة ، ولا يغني عن ذلك خيط في العنق ، لإيهام فصل الرأس عن الجسد .
ثالثا : لعب الأطفال التي كانت معروفة في العهد القديم ، والتي تصنع من الخرق ، والرقاع ، دون ما تصنعها المصانع المعاصرة ، من مادة البلاستيك ونحوه بشكل يضاهي خلق الله تعالى ، وذلك لما فيها من قوة المشابهة والمضاهاة لخلق الله تعالى ، ولما في بعضها من إثارة الغرائز ، وكوامن الفطرة .
رابعا : ما كان من صور ذوات الروح ممتهنا ، مبتذلا ، وذلك كالصور التي تكون على الفرش ،والمخاد ، والأواني إذا كانت الصورة فيها غير مرتفعة ، أو كانت الآنية غير مرتفعة كالصحون ، والأطباق ، ونحوهما ، مما يستخدم منها خاصة ، فيجوز استخدام الصور المهانة ، دون صناعتها فتحرم بكل حال ، لما في صناعتها من المضاهاة إن كانت يدوية .
13- تحريم تحنيط جثة الإنسان من بني آدم ، لما فيه من مخالفة سنة الله في الدفن ، وتعريض الميت للإهانة من جهة ، ولما يسببه من إثارة الحزن على أهله ومحبيه من جهة أخرى . ويستثنى من ذلك : حالة الضرورة إلى تحنطيه وإبقاء جثته لأجل معرفته ، وإحقاق الحق ، و إبطال الباطل ، فيما إذا مات أو قتل مجهولا ، إن لم يكن هناك وسيلة غير التحنيط . ويحرم تحنيط الحيوانات من غير بني آدم لما فيه من إضاعة المال ، وفتح باب الاعتقادات الباطلة بأنها تجلب نفعا ، أو تدفع ضررا .
14- جواز قيام الصورة الآلية مقام الرؤية في عقود المعاوضات المالية بشرط سلامة الصورة من إدخال تحسينات عليها لم تكن في المعقود عليه ، وكون الصورة واضحة جلية ، بحيث تصف واقع السلعة كما هي ، فيجوز ذلك قياسا على صحة البيع بالأنموذج ، والبيع بالوصف المنضبط ، فإن اختل واحد من هذين الشرطين فلا يصح حينئذ .
وعدم قيام الصور الفوتوغرافية مقام الرؤية بين الخاطبين ، في إحالة إمكان الرؤية البصرية المباشرة ، وذلك لأنه لا يمكن الكشف بواسطة الصورة الفوتوغرافية - عن أوصاف لا بد من معرفتها ، بالإضافة إلى موانع أخرى ، فإن كانت الرؤية المباشرة متعذرة جاز قيامها حينئذ ، لأن ما لا يدرك كله ، لا يترك جله ، وأما إن كانت سينمائية صح قيامها مقام الرؤية المذكورة ، بشرط سلامتها من التزوير ، والتحريف ، وعدم انتشار الصورة .
15- جواز تمويل صور ذوات الروح التي تدعو إليها ضرورة ، أو تقتضيها المصلحة العامة ، سواء كان تمويلها من المال العام ، أو الخاص ، كما يجوز اتخاذها حرفة ، ومهنة للتكسب المادي ، ويجوز بيعها وشراؤها ، وإجارتها واستعارتها ، وهبتها ، ويصح التعاقد عليها بسائر عقود التعامل .
ويجب الضمان على من أتلفها ، أو اغتصبها ، ويجب القطع بسرقة ما بلغ منها نصابا ، إن كانت متقومة ، والتعزير فيما لم يبلغه ، أو كان غير متقوم .
وذلك لأن ما أباحته الضرورة ، أو اقتضته المصلحة يكون من جملة الأموال المحترمة التي يجب المحافظة عليها ، مادامت الضرورة إلى ذلك باقية .
وآلات هذا القسم من الصور تبع لها في كل ما سبق ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، والتابع تابع ، ولأن ما جاز بيعه ، وشراؤه جاز التعاقد عليه بسائر العقود ،ووجبت المحافظة عليه .
وأما ما كان من الصور المذكورة بخلاف ما ذكر ، فإنه لا يجوز تمويلها ولا احترافها ، ولا التعاقد عليها بأي نوع من أنواع العقود ، وثمنها محرم والعقد غير نافذ ، لأن ما حرم عينه حرم بيعه وشراؤه ، وثمنه ، وحرمت الإعانة عليه بقول أو فعل ، وعلى ذلك ، فلا يضمن متلفها ، ولا يقطع سارقها لإهدار قيمتها شرعا ، وعلى المتلف والسارق التعزير ، إن كان فعله إفتياتا على ولي الأمر .
هذا إن كانت الصورة هي المقصودة بالعقد ، وأما إن كان المقصود هو ما فيه الصورة ، وهي تبع فينظر ، إن كانت الصورة في وضع مهان صح العقد بدون إثم ، وإن كان وضعها مشعرا بتكريمها ، وصيانتها صح العقد مع الحرمة ، والإثم .
وآلات هذا القسم من الصور فيها احتمالان : أقواهما في نظري أن المنظور إليه - في هذه الحال - إنما هو فعل الفاعل ،وبناء على ذلك يجوز تمويلها ، واحترافها ، والتعاقد عليها بسائر أنواع العقود ، ويضمن متلفها ، ويقطع سارقها - إن بلغت قيمتها نصابا - وعليه التعزير إن لم تبلغ ، أو بلغت نصابا مع وجود شبهة الإنكار، لأن هذه آله يمكن استخدامها فيما هو مباح ، وليس استخدامها محصورا في المحرم فحسب . وهذا الاحتمال هو الأقوى في نظري لقوة تعليله ، والله أعلم .
كانت هذه هي أهم وأبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال بحث ومسائل الموضوع ، وجزئياته المرسومة في الخطة ، والمسائل التي أضفتها فيما بعد ، نظرا لما رأيت من الصلة والارتباط بالموضوع ، فإن صاحبني في ذلك التوفيق فهذا من فضل الله علي وكرمه وإحسانه .
وإن زل بي قلمي وسوء فهمي عن جادة الصواب إلى الوقوع في الخطأ فذلك مني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء ، وأستغفر الله من ذنبي ،ومن زللي .
وفي نهاية هذه الخاتمة أتقدم بالشكر الوافر، والثناء العاطر لكل من قرأ بحثي هذا ، وأهدي إلى خطأ، أو خللا، لكي أتلافاه قبل فوات الأوان ، وأقول له كما قال الأوائل :
وإن تجد عيبا فسد الخلل فجل من لا عيب فيه وعلا
فإن الإنسان يخطئ مهما بلغ من العلم ، والفطنة ، والذكاء ، فقد يقصر عند بعض المسائل فهمه وينغلق ذهنه ، نظرا لطبيعته البشرية ، والكمال المطلق إنما هو لله وحده جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، و الله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Please Uktub Your Ro'yi Here...