رَأْسُ
الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ
قولُهُ:
(وفي الحديثِ: ((رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ)) ) أرادَ المصنِّفُ
رَحِمَهُ اللهُ بهذا الحديثِ الاستدلالَ علَى أنَّ لكلِّ شيءٍ رأسًا، وأنَّ رأسَ الأمْرِ
الذي جاءَ بهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ هوَ الإسلامُ.
وقدْ
جاءَ تفسيرُهُ في روايَةٍ أُخرَى بالشهادتينِ، فمَنْ لم يُقِرَّ بهما باطنًا وظاهرًا
فليسَ مِن الإسلامِ في شيءٍ.
وقولُهُ:
((وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ)) أيْ: قِوامُ الدِّينِ الذي لا يَقومُ الدِّينُ إلاَّ بهِ
- كما يَقومُ الفُسطاطُ علَى عَمودِهِ - هوَ الصلاةُ.
وهذا
دَليلٌ بَيِّنٌ علَى عِظَمِ شَأْنِ الصلاةِ، وأنَّها مِن الدِّينِ بهذا المكانِ العظيمِ،
وأنَّ مَكَانَها مِن الدِّينِ مِنه مَكانُ العَمودِ مِن الفُسطاطِ، وهوَ بيتٌ مِنْ
شَعَرٍ، فهوَ قائمٌ ما وُجِدَ العَمودُ، ولوْ سُحِبَ العَمودُ مِنه ما نَفَعَت الأطنابُ،
وسَقَطَ البيتُ علَى الأرضِ.
وفي
هذا دليلٌ علَى أنَّ الذي يَتْرُكُ الصلاةَ لم يَبْقَ لهُ دِينٌ، ولذلكَ اسْتَدَلَّ
الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ وغيرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الذينَ يَقولُونَ: بأنَّ
تارِكَ الصلاةِ كَسَلاً كافرٌ، اسْتَدَلُّوا بهذا الحديثِ.
ووَجْهُ
الاستدلالِ: أنَّهُ أَخْبَرَ أنَّ الصلاةَ مِن الإسلامِ بِمَنْزِلةِ العَمودِ الذي
تَقومُ عليهِ الخيمةُ، فكما تَسْقُطُ الخيمةُ بسُقوطِ عَمودِها، فكذا يَذْهَبُ الإسلامُ
بذَهابِ الصلاةِ.
وليسَ
في الحديثِ تعرُّضٌ لكونِهِ مُعْتَرِفًا بها أوْ جاحدًا لوُجوبِها، بلْ هوَ ظاهِرٌ
في التَّرْكِ مُطْلَقًا، واللهُ أَعْلَمُ.
(16)
قولُهُ: ((وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ
اللهِ)) الذِّروةُ: بكَسْرِ الذالِ وضَمِّها وفَتْحِها، وذِروةُ الشيءِ: أعلاهُ، وذِروةُ
البعيرِ: سَنامُهُ، وهوَ أَعْلَى شيءٍ فيهِ.
وهذا
الحديثُ يَدُلُّ علَى أنَّ الجهادَ هوَ أَعْلَى شيءٍ في الدِّينِ؛ لأنَّ الجهادَ فيهِ
بَذْلٌ للنفْسِ التي هيَ أَغْلَى وَأَثْمَنُ شيءٍ عندَ الإنسانِ.
وما
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ هوَ جُزءٌ مِنْ حديثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ
اللهُ عنهُ، وهوَ حديثٌ طَويلٌ أَوَّلُهُ: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بعملٍ
يُدْخِلُنِي الجنَّةَ ويُباعِدُني مِن النارِ، قالَ: ((لقدْ سأَلْتَ عنْ عظيمٍ)) )
الحديثَ.
(17)
قولُهُ: (وَاللهُ أَعْلَمُ) خَتَمَ الشيخُ رَحِمَهُ اللهُ
هذه الرسالةَ الْمُفِيدَةَ كغيرِهِ بِرَدِّ الْعِلْمِ إلَى اللهِ تعالَى المحيطِ بكلِّ
شيءٍ عِلْمًا.
(18)
قولُهُ: (وَصَلَّى اللهُ علَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ
وسَلَّمَ) جُملةُ (صَلَّى) خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا، إنشائيَّةٌ معنًى؛ لأنَّ الشيخَ لا
يُريدُ مُجَرَّدَ الإخبارِ بأنَّ اللهَ صَلَّى علَى مُحَمَّدٍ، وإنَّمَا يُريدُ الدعاءَ،
فالمعنَى: اللَّهمَّ صَلِّ...
والصلاةُ
مِن اللهِ تعالَى علَى نَبِيِّهِ ثَناؤُهُ عليهِ في الْمَلأَِ الأَعْلَى؛ أيْ: عندَ
الملائكةِ الْمُقَرَّبِينَ، كما قالَ ذلكَ أبو العاليَةِ، ورواهُ البخاريُّ في (صحيحِه).
وهذا
أَحْسَنُ ما قيلَ في معنَى ذلكَ.
وقولُهُ:
(وآلِهِ) فيهم خِلافٌ، والأَظْهَرُ أنَّ الآلَ إذا ذُكِرُوا وَحْدَهم، فالْمُرَادُ:
جَمِيعُ أَتباعِهِ علَى دِينِهِ كما هنا، أمَّا إذا قُرِنَتْ بالأتباعِ فقيلَ: آلُهُ
وأَتباعُهُ، فالآلُ: هم المؤمِنونَ مِنْ آلِ بيتِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ.
وقولُهُ:
(وصَحْبِهِ) اسمُ جَمْعِ صَاحِبٍ، ويُجْمَعُ علَى أَصحابٍ، والْمُرَادُ: أصحابُهُ،
وهم كلُّ مَن اجْتَمَعَ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مؤمِنًا وماتَ علَى ذلكَ.
وعَطْفُهُ
مِنْ بابِ عَطْفِ الخاصِّ علَى العامِّ.
قولُهُ:
(وسَلَّمَ) معطوفٌ علَى قولِهِ: (وصَلَّى اللهُ)، وهيَ خَبريَّةٌ لَفْظًا إِنشائيَّةٌ
معنًى؛ أي: اللَّهمَّ سَلِّمْهُ؛ أيْ: مِن النقائصِ والرذائلِ والآفاتِ، وفي الجمْعِ
بينَهما سِرٌّ بَديعٌ، ففي الصلاةِ حُصولُ المطلوبِ وهوَ الثناءُ عليهِ، وفي السلامِ
زَوالُ المرهوبِ.
وإلَى
هنا انتهَى ما أَرَدْنا كِتابتَهُ علَى هذه النُّبْذَةِ المفيدةِ، نَسألُ اللهَ تعالَى
أن يَكْتُبَ الأَجْرَ لِمُؤَلِّفِها ومَنْ شَرَحَها، وقَرَأَها عامِلاً بِمَا فيها
مِنْ كتابِ اللهِ تعالَى وسُنَّةِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
والحمدُ
للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ علَى عَبْدِهِ ورَسولِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ،
وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجمعينَ
Sumber : http://hamelatquran.com/vb/showthread.php?t=3520
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Please Uktub Your Ro'yi Here...