اسمه وكنيته ولقبه ومولده وصفته رحمه
الله
اسمه
:
يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الحزامي الحوراني
الدمشقي الشافعي.
كليته : أبو زكريا ، وهي
كنية على غير قياس ، وقد استحب ذلك أهل العلم كما قال النووي ـ رحمه الله ـ في
المجموع :
" ويستخب تكنية أهل الفضل من
الرجال والنساء سواء كان له ولد أم لا ، وسواء كنى يولده أو بغيره ، وسواء كنى
الرجل بأبي فلان أو بأبي فلانة ، وسواء كنيت المرأة بأم فلان أم فلانة "
وإنما كنى بأبي زكريا
لأن اسمه يحيى ، والعرب تكني من كان كذلك بأبي زكريا التفاتا إلى نبي الله يحيى
وأبيه زكريا ـ عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ ، كما تكني من كان اسمه
يوسف بأبي يعقوب ومن اسمه إبراهيم بأبي إسحاق
، ومن اسمه عمبر بأبي حفص على غير قياس ، لأن يحيى ويوسف مولودان لا والدان
، ولكنه أسلوب عربي مسموع.
لقبه : محيي الدين ، وقد كان رحمه الله
يكره أن يلقب به.
قال اللخمي : وصح عنه
أنه قال : لا أجعل في حل من لقبي محيي الدين ، وذلك منه على ما تشأ عليه من
التواضع وإلا فهو جدير به لما أحيا الله به من سن وأمات به من بدع وأقام به من
معروف ، ودفع به من كنكر ، وما نفع الله به المسلمين من مؤلفات ، ولكن بأبي الله
إلا أن يظهر هذا اللقب له عرفانا وإشارة بذكره وفي الحديث عن النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ من رواية أبي هريرة رضي الله عنه :" وما تواضع أحد لله إلا رفعه
.."
مولده : اتفق المؤرخون على
تحديد شهر محرم من عام واحد وثلاثين وستمائة للهجرة لزمن ولادته.
صفته : قال الذهبي : كان
أسمر ، كث اللحية ، ربعة ، مهيبا ، قليل الضحك ، عديم اللعب ، بل جد صرف يقول الحق
وإن كان مرا ، لا يخاف في الله لومة لائم.
ووصفه الذهبي أيضا
بأن لحيته سوداء فيها شعرات بيض وعليه هيئة وسكينة.
وأما بزته : فقال
الذهبي : في تاريخ الإسلام : وكان في ملبسه مثل أحاد الفقهاء من الحوارنة ، لا
يؤمه له ، عليه شبختانية صغيرة.
وقال في التذكرة : وكان يلبس الثياب
الرثة ولا يدخل الحمام وكانت أمه ترسل له القميص ونحوه ليلبسه.
نشأته رحمه الله وطلبه للعلم
ما كاد النووي ـ رحمه الله ـ يبلغ سن التمييز
إلا وعناية الله ترعاه ، لتؤهله لخدمة هذا الشرع المظهر المنيف ، فبينما هو في عام
السابع من العمر إذ هو نائم ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان بجوار والده ـ كما
حكاه ابن العطار عن والده ـ إذ يكشف له سر من أسرار الله ـ تعالى ـ في شهر رمضان
المبارك ، أخفى إدراته على كثير من خلقه.
ألا
وهي ليلة لاقدر فانتبه من سباته نحو نصف الليل وإذا بدارهم ممتلئة نورا فتعجب منه
لما يعهده من الظلام الحالك في هذه الليلة ، ولم يكن يدرك لصغر سنة أن هذه الليلة
مباركة وهي أرجى ليالي القدر كما ذهب إليه الجمهور ، فأيقظ أباه ليستفسر عن هذا
الأمر العجيب الذي رآه على خلاف المعتاد قائلا : يا أبت ما هذه الضوء الذي ملأ
الدار فاستيقظ أهله أجمعون فلم يروا شيئا من ذلك ، غير أن والده عرف أنها ليلة
القدر ، ولعل الله ـ تعالى ـ كشف هذه الليلة له ليكون سببا لإحياء أبويه وأسرته
لها بالعبادة والتضرع فلعل دعوة صالحة متقبلة نصيبه فتكون سببا لسعادته في الدنيا
والآخرة ، وقد كان ذلك بتوفيق الله ـ تعلى ـ فشعر أبوه بأن لولده هذا شأنا في
المستقبل ، فطفق يغرس في فؤاده منبع كل خير وفضيلة ، ألا وهو القرآن الكريم فذهب
به إلى معلم الصبيان وجعله عنده ليعلمه القرآن ، فأخذ يلقنه القرآن شيئا فشيئا ،
فكان يتلقاه خير تلق بأذن صاغية وقلب واع ، وما لبث أن شغف بالقرآن حتى لا يحب أن
يصرف عن الاشتغال به لحظة واحدة ولم يلهه جماح الصبا ولا مرح الطفولة عن تلاوته ،
بل لقد كان يكره كل ما يشغله عن القرآن ، فحدث ذات يوم أن الصبيان أكرهوه على
اللعب معهم ، فحاول الفرار من أيديهم وهو يبكي لإكراههم على اللعب معهم ولم يثنه
ذلك الحال عن قراءة القرآن ، وإذا بشيخ ظاهر الصلاح يشاهد ذلك الحال منه فيمتلئ
قلبه محبة له ، لتفرده عن أقرانه بهذا السلوك الفذ ، وهو إذ ذاك لم يتجاوز العاشرة
من العمر ـ أي السن الذي يكون الطفل فيه لا يطمح لشيء أكثر من طموحه للعب والترح ـ
وحدث أن جعله أبوه وهو في هذه السن في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن
القرآن فتفرس هذا الشيخ من سلوكه هذا بأنه سيكون له شأن صالح إن كان له فسحة في
الأجل ، فذهب إلى معلمه ووصاه به قائلا له : أنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه
وأزهدهم وينتفع الناس به ، فساله المعلم ، أمنجم أنت ؟ فأجاب الشيخ : لا ولكن الله
أنطقني بذلك.
وقال صاحب الطبقات
الوسطى : فلما كان ابن تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق ، فسكن بالمدرسة
الرواحية ، وحفظ " التنبيه " في نحو أربعة أشهر ونصف ، وحفظ ربع "
المهذب " ولازم الشيخ كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي ، ثم حج مع والده ثم
عاد ، وكان يقرأ كل يوم اثنى عشر درسا على المشايخ ، شرحا وتصحيحا فقها وحديثا
وأصولا ونحوا ولغة إلى أن برع وبارك الله له في العمر اليسير ووهبه العلم الكثير.
ثناء العلماء عليه
قال
تلميذه ابن العطار : شيخي وقدوتي الإمام ذو التصانيف المفيدة ، والمؤلفات الحميدة
، وحيد دهره وفريد عصره ، الصوام القوام ، الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة صاحب
الأخلاق الرضية ، والمحاسن السنية ، العالم الرباني المتفق على علمه وإمامته
وجلالته وزهده وورعه وعبادته وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته ، له الكرامات
الطامخة والمكرمات الواضحة ، والمؤثر بنفسه وماله للمسلمين ، القائم بحقوقهم وحقوق
ولاة أمورهم بالنصح والدعاء في العالمين مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه ، والتمل
بدقائق الفقه والاجتهاد عن الخروج من خلاف العلماء ولو كان بعيدا والمراقبة
لأعمال وتصفيتها من الشوائب ، يحاسب نفسه
على الخطرة بعد الخطرة ، وكان محققا في علمه وكل شؤونه ، حافظا لحديث رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، عارفا بأنواعه كلها من صحيحه ، وسقيمه وغريب ألفاظه وصحيح
معانيه واستنباط فقهه ، حافظا لمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه ومذاهب الصحابة
والتابعين ، واختلاف العلماء ووفاقهم ، وإجماعهم وما اشتهر من جيمع ذلك ، سالكا في
كل ذلك طريق السلف ، قد صرف أوقاته كلها في أنواع العمل ، فبعضها للتصنيف ، وبعضها
للتعليم وبعضها للصلاة ، وبعضها للتلاوة والتدبر والذكر لله ـ تعالى ـ وبعضها
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال الشيخ قطب الدين موسى اليونيني
الحنبلي :
" المحدث الزاهد العابد الورع
المفتخر في العلوم ، صاحب التصانيف المفيدة ، كان أوحد زمانه في الورع والعبادة
والتقلل من الدنيا والإكباب على الإفادة والتصنيف مع شدة التواضع ، وخشونة الملبس
والمأكل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال الكمال جعفر الأدفوي :
إنه صنف تصانيف مفيدة حصل النفع بها ،
ودارت عليه الفتوى بدمشق.
قال : ومآثره عزيزة عزيرة ، ومضى على
جميل وسداد.
قال : وكان فقده من أعظم المصائب ،
وعدمه بليه رمت العباد بسهم من البلاء صائب ، رحمه الله ونفعنا ببركته وحشرنا معه
في آخرته في دار كرامته.
وقال الحافظ الذهبي :
الشيخ الإمام القدوة الحافظ الزاهد
العابد الفقيه المجتهد الرباني ، شيخ الإسلام ، حسنة الآنام ، محيي الدين ، صاحب
التصانيف التي سارت بها الركبان واشتهرت بأقصى البلدان.
إلى أن قال : لازم
الاشتغال والتصنيف محتسبا في ذلك مبتغيا وجه الله ـ تعالى ـ مع التعبد والصوم
والتهجد والذكر والأوراد وحفظ الجوارج وذم النفس والصبر على العيش الخشن ملازمة لا
مزيد عليها.
قال
: وكان ملازمته التامة للعلم ومواظبته لدقائق العمل وتزكية النفس من شوائب الهوى
وسيء الأخلاق ومحقها من أغراضها ، عارفا بالحديث قائما على أكثر متونه عارفا
برجاله رأسا في نقل المذهب ، متضلعا من علوم الإسلام.
وقال اليافعي :
شيخ الإسلام ، مفتي
الآنام ، المحدث المتقن المدقق النجيب الحبر المفيد القريب والبعيد ، محرر المذهب
وضابطه ومرتبه ، أحد العباد الورعين الزهاد العالم العامل ، المحقق الفاضل ، الولي
الكبير ، السيد الشهير ، ذو المحاسن العديدة والسير الحميدة والتصانيف المفيدة ،
الذي فاق جميع الأقران ، وسارت بمحاسنه الركبان واشتهرت فضائله في سائر البلدان ،
وشوهدتن له الكرامات وارتقى في أعلى المقامات ، ناصر السنة ، ومتعمد الفتاوى ، ذو
الورع الذي لم يبلغنا مثله عن أحد في زمانه ولا قبله.
قال : ولقد بلغني أنه كان يجري دمعه في
الليل ويقول :
لئن كان هذا الدمع
يجري صبابة على غير ليلى فهو دمع
مضيع
قال : وقد رأيت له
مقامات تدل على عظم شأنه ، ودوام ذكره لله ـ تعالى ـ ، وحضوره وعمارة أوقاته ،
وشدة هيبته ، وتعظيم وعده ووعيده.
وقال الحافظ ابن كثير
الشيخ الإمام العالم
العلامة شيخ المذهب ، وكبير الفقهاء في زمانه ، ومن حاز قصب السبق دون أقرانه ،
وكان من الزهادة والعبادة والتحري والورع والامتنان على الناس والتخلي لطلب العلم
، والتحلي به على جانب لا يقدر عليه غيره ، ولا يضيع من أوقاته.
وقال تاج الدين السبكي رحمه الله :
كان يحيى ـ رحمه الله
ـ سيدا حصورا ، وليثا على النفس هصورا ، وزاهدا لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه
ربعا معمورا ، له الزهد والقناعة ، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة ،
والمصابرة على أنتواع الخير ، لا يصرف ساعة في غير طاعة هذا مع التفنن في أصناف
العلوم فقهاء ، ومتون أحاديث وأسماء الرجال ولغة وتصوفا وغير ذلك.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Please Uktub Your Ro'yi Here...