Minggu, 11 Desember 2011

Jual Beli Pesanan


كتاب السلم
 المبحث الأول: تعريف السلم:
تعريفه من حيث اللغة:
      السلم في اللغة السلف وزناً ومعنى. ويطلق على الاستسلام كما يطلق على شجر من العضاة. واحدة سَلمَة.
تعريفه من حيث الاصطلاح الفقهي:
      وفي الاصطلاح الفقهي "بيع آجل بعاجل" أو "دين بعين" أو هو "بيع يتقدم فيه رأس المال (الثمن) ويتأخر المثمن (المبيع) لأجَل" أو "بيع موصوف في الذمة" أو "أن يسلف عوضاً حاضراً في عوض موصوف في الذمة إلى أجل".

      اتفق الفقهاء على مشروعية السلم واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها:
      1- القرآن الكريم: فقد روي عن ابن عباس -ترجمان القرآن-رضي الله عنهما- أنه قال: أشهد أن الله تعالى أحل السلف المضمون وأنزل فيه أطول آية في كتابه، وتلا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...} [البقرة: 282] فإن السلم نوع دين فيكون جائزاً لذلك.
      2- السنة النبوية المطهرة: فقد جاء فيها أحاديث كثيرة منها:
      أ- ما روي عن ابن عباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) متفق عليه.
      ب- ما أخرجه البخاري عن محمد بن أبي المجالد قال: (أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يأتينا أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب فقلت: أكان لهم زرع أم لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك).
      جـ- إجماع الفقهاء على أن السلم جائز.

الفصل الثاني: ركن السلم وشروطه وحكمه:
المبحث الأول: ركن السلم:
      ركن السلم هو الصيغة التي ينعقد بها وهي الإيجاب والقبول.
      وقد اشترط جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والحنابلة- في هذا الركن أن يكون بلفظ البيع، أو السلف، أو السلم، لا غير. واشترط الشافعي أن يكون بلفظ السلم لا غير. فإذا عقده بلفظ البيع لم ينعقد، ذلك أن السلم شرع على خلاف القياس، وما كان حاله كذلك اقتصر فيه على مورد النص، وقد جاء شرعه بلفظ السلم فلا يزاد عليه.
      دليل الجمهور: الاستدلال بأن السلم بيع بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث روي عنه نهيه عن بيع ما ليس عند الإنسان وترخيصه في السلم، وهو دليل على كونه نوعاً من أنواع البيع، فينعقد بلفظ البيع لذلك.
      يشترط لصحة السلم ما يشترط لصحة البيع عامة. وقد تقدمت، ويزاد عليها هنا شروط خاصة به لا يصح بدون توافرها جميعاً. وهذه الشروط على أنواع:
      فمنها شروط تتعلق بنفس العقد.
      ومنها شروط تتعلق بأحد البدلين.
      ومنها شروط تتعلق بالبدلين جميعاً.
      1- الشروط المتعلقة بنفس العقد:
      ذهب الجمهور -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أن الشروط المتعلقة بنفس العقد تعود إلى شرط واحد هو البتات، وذلك بخلو السلم عن خيار الشرط. فإذا باع سلماً واشترط لنفسه أو للمشتري خيار الشرط فسد السلم، لانعدام البتات فيه بقيام خيار الشرط ذلك أن خيار الشرط ثبت في البيع المطلق على خلاف القياس فلا يقاس عليه السلم، بل يبقى على أصل المنع فيه.
      ثم إن من شروط صحة السلم التقابض في المجلس، وخيار الشرط يمنع التقابض الكامل، لأنه يمنع ثبوت الملك فلا يصح لذلك.
      فأن اشترط خيار الشرط ثم تقابضا في المجلس قبل التفرق صح العقد لتحقق شرط الصحة.
      وذهب مالك إلى جواز الخيار مدة لا تزيد على ثلاثة أيام، لأنها قليلة، ولأنه يجوز تأخير قبض رأس المال إليها في السلم عنده كما سوف يأتي.
      2- الشروط المتعلقة برأس مال السلم:
      رأس مال السلم هو ما يدفعه المشتري من المال إلى البائع عند السلم، ويسمى دافعه رب السلم. والشروط المتعلقة به متعددة هي:
      أ- بيان جنة، بأنه دراهم، أو دنانير، أو فلوس نافقة، أو قمح ... فإذا لم يبين ذلك لم يصح للجهالة.
      ب- بيان نوعه، بأنه دراهم فتحية، أو دنانير نيسابورية، أو قمح سقي .... وذلك إذا لم يكن في البلد عرف مستقر، فإذا كان فيه عرف مستقر لم يشترط بيان النوع ويرجع فيه إلى العرف.
      جـ- بيان صفته، بأنه جيد، أو رديء، أو وسط ...
      د- بيان قدره إذا كان مما يباع بالقدر، كالمكيل، والموزون، والعددي المتقارب، والذرعي المتقارب، فإذا كان من القيميات لم يشترط بيان القدر لعدم جدواه.
      وبيان القدر يكون ببيان الكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن، وبيان العدد أو الذرع في العدديات المتقاربة أو الذرعيات المتقاربة، فإذا باع المكيل وزنا أو الموزون كيلاً جاز، لأن الشرط زوال الجهالة عن رأس المال، وهي تحصل بذلك.
      وقد روي عن أحمد وغيره عدم جواز ذلك لتعيينه كذلك بالشرع.
      ويشترط في القدر هنا أن يكون بالمقادير المعروفة المتداولة بين الناس، فلو قدره بمقدار خاص، فقال: بوزن هذه الحجرة، أو بكيل هذه العلبة، لم يصح لاحتمال هلاك هذه الحجرة أو العلبة، فيؤدي إلى الجهالة فلا يصح.
      هـ- ذهب جمهور الفقهاء إلى قبض رأس المال في مجلس العقد: وذلك بتسليم رأس مال السلم إليه -البائع- في مجلس العقد، فإن افترقا من غير قبض فسد السلم لانعدام أحد شرائط صحته، وهو القبض ، والمجلس هنا هو مجلس الأبدان. فإذا تفرقا في الأقوال لبعض الوقت ثم قبض المسلم إليه رأس مال السلم جاز، وكذلك إذا غادرا معاً مكان العقد باتجاه واحد مترافقين، ثم قبض رأس المال قبل التفرق بالأبدان جاز أيضاً. فإذا تفرقا ثم قبض رأس المال بعد ذلك لم يصح، لفساد السلم بالتفرق، والفاسد لا يعود إلى الصحة بعد تقرر فساده.
      وخالف مالك في رأس المال العين، فقال: لا يشترط فيه القبض لتعينه بدونه، وهو القياس إلا أن الجمهور أخذوا بالاستحسان، ذلك أن الأصل في رأس المال أن يكون ديناً، ولا يكون عيناً إلا نادراً، ولا حكم للنادر، فيلحق بالدين في الحكم كما خالف مالك في الدين أيضاً، فأجاز تأخيره إلى ثلاثة أيام ولو بشرط لأنها مدة قصيرة فإذا أخره عن ثلاثة أيام، إن كان بشرط لم يصح، وإلا فروايتان، ومن المالكية من منع التأخير مطلقاً كالجمهور.
      حالات يتخلف فيها القبض حكماً فيفسد السلم:
      وهناك حالات يتخلف فيها القبض حكماً فيفسد السلم لتخلف القبض، وهي مختلفة، من ذلك:
      أ- إذا أبرأ المسلم إليه رب السلم عن رأس مال السلم بعد العقد وقبل القبض، فإنه ينظر: إن وافق رب السلم على هذا الإبراء فسد السلم، لامتناع القبض بسقوط الدين من الذمة، وان لم يقبل رب السلم بهذا الإبراء، لم يصح الإبراء، والسلم على حاله، إن تفرقا قبل القبض فسد، وإلا صح.
      وهذا بخلاف الإبراء عن المسلم فيه، فإنه لا يؤثر في صحة السلم لعدم اشتراط قبضه لصحة السلم.
      ب- الاستبدال برأس مال السلم قبل قبضه، كما لو قبل المسلم إليه أخذ شيء من غير جنس رأس مال السلم بدلاً منه، فإنه يفسد السلم لعدم قبض رأس ماله، ذلك أن المقبوض هنا بدله وليس هو، فتخلف القبض ففسد. فإذا استبدله بشيء من جنسه ولكنه أردأ منه، أو أجود منه، فإنه يجوز لاتحاد الجنس.
      جـ- أخذ كفيل برأس مال السلم أو قبول الحوالة فيه ثم التفرق قبل القبض، كما لو أحال رب السلم المسلم إليه برأس مال السلم على رجل آخر. فإن كان حاضراً وقبض المسلم إليه رأس مال السلم من المحال عليه في مجلس العقد جاز وإلا فلا، وكذلك الكفالة لنفس المعنى. والمجلس هنا مجلس المتعاقدين لا غير، فلو غادر المحال عليه المجلس قبل الدفع، ثم عاد ودفع رأس المال إلى المسلم إليه قبل تفرق المتبايعين، جاز ولو أنه دفعه بعد خروج أحد المتبايعين من المجلس لم يصح.
      د- أخذ رهن برأس مال السلم. وذلك بأن يدفع رب السلم رهناً إلى المسلم إليه في مجلس السلم. فإنه ينظر، إن هلك الرهن في المجلس وكانت قيمته تعادل قيمة رأس مال السلم أو تزيد، فإنه يصح السلم، ويعتبر قبض الرهن قبضاً لرأس مال السلم، لأنه قبض ضمان تحقق فيه الضمان بالهلاك.
      وإن هلك وكانت قيمته أقل من رأس مال السلم، فإنه يتم العقد بمقدار قيمة الهالك، ويفسد في الباقي.
      فإذا لم يهلك الرهن حتى افترقا عن غير قبض. فسد السلم، لفوات شرط القبض.
      هـ- التقاص برأس مال السلم: فإذا كان لرب السلم دين سابق على المسلم إليه. وأراد استيفاء دينه من رأس مال السلم، فانه لا يصح لفوات قبضه بذلك.
      و- إذا ظهر في رأس المال بعد قبضه عيب منقص للقيمة. فإنه ينظر، إن رضي به المسلم إليه فإنه يصح، وإن لم يرض به، فإن استبدله في مجلس العقد صح. وإلا فسد العقد بالتفرق.
      3- الشروط المتعلقة بالمسلم فيه:
      المسلم فيه هو المال الذي يتعهد البائع بتأديته إلى رب السلم بعد أجل معين، ودافعه يسمى المسلم إليه. وشروطه متعددة هي:
      أ- بيان جنسه، فينص على أنه حنطة، أو قطن، أو ...
      ب- بيان نوعه، من أنه حنطة بعلية أو سقية، أو قطن طويل التيلة أو قصيرها ...
      جـ- بيان صفته، بأنه جيد، أو رديء، أو وسط ...
      د- بيان قدره، ببيان كيله، أو وزنه، أو عدده إن كان متقارباً، أو ذرعه إن كان متقارباً أيضاً.
      وهذا كله لإزالة الجهالة عنه، لأن الجهالة في الجنس والنوع والصفة والقدر مفضية للمنازعة، وهي مفسدة للبيع كما تقدم.
      ولحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).
      هذا ويشترط في بيان القدر أن يكون بما هو معلوم ومعروف لدى الناس عامة، مما يؤمن فقده. فإذا بينه بما يحتمل فقده كوزنه بحجر معين، أو كيله بعلبة معينة أو ذرعه بخشبة معينة، لم يصح لاحتمال فقد هذا القدر، فيعود إلى الجهالة فيفسد.
      فإذا قدر الموزون بالكيل، والمكيل بالوزن، والمعدود بالكيل أو الوزن ... جاز، لأن الغاية من بيان القدر هي إزالة الجهالة، وهي حاصلة بذلك، فيصح، بخلاف الأموال الربوية إذا قوبلت بجنسها، لأن الغاية من القدر هناك هي المساواة وليس زوال الجهالة فحسب.
      وقد روي عن أحمد وبعض الحنفية خلاف ذلك.
      هـ- اتفق الفقهاء على أن يكون المسلم فيه مما يمكن ضبط قدره وصفته بالوصف على وجه لا يبقى معه بعد الوصف إلا تفاوت يسير، فإذا كان مما لا يمكن ذلك ويبقى بعد الوصف تفاوت فاحش، لا يجوز السلم فيه لقيام الجهالة الفاحشة، وهي مفضية للمنازعة فيفسد السلم بها لذلك.
      ولكنهم اختلفوا في تطبيقه توسعة وتضييقاً:
      فذهب الحنفية إلى أن ذلك لا يتوفر إلا في المثليات، وهي المكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة والذرعيات المتقاربة إذا أمكن ضبط صفتها. كالحنطة والشعير، والملح والبيض، والقماش ... أما القيميات كالسجاد والثياب والحيوانات .. فلا يصح السلم فيها لعدم إمكان ضبطها نظراً لتفاوتها، مما يؤدي إلى الجهالة المفضية للمنازعة، إلا أنهم استثنوا الثياب والسجاد وما إليه بعد ذلك، فأجازوا فيها السلم استحساناً لتعارف الناس على ذلك، ولإِمكان ضبطها بالوصف بالجملة، فلا يبقى إلا جهالة يسيرة، وهي غير مؤثرة.
      وذهب المالكية والشافعية والحنبلية إلى عدم الحصر بالمثليات، فأطلقوا صحة السلم في كل ما يمكن ضبطه بالجملة، فأجازوا السلم في الحيوان والثياب والرقيق واللحم ... بشرط ضبطها بأوصافها كاملة لزوال الجهالة، كما اشترطوا ضبط قدرها بالوزن أو الكيل أو العدد بحسب العادة. فإذا لم يمكن ضبطها بالوصف، لم يصح السلم فيها.
      و- ذهب الحنفية إلى أن يكون جنس المسلم فيه موجوداً في الأسواق حين العقد، ومظنوناً وجوده كذلك إلى حين حلول الأجل، على وجه يتمكن المسلم إليه معه من الوفاء في أي وقت، فإذا لم يكن موجوداً وقت العقد، أو كان موجوداً وقته ولكنه لم يكن موجوداً وقت حلول الأجل، أو وجد في كلا الوقتين ولكنه انقطع فيما بينهما، فسد السلم وذهب المالكية والشافعية والحنبلية إلى أن الشرط إمكان وجوده وقت حلول الأجل لا غير.
      وبناء على هذا الشرط فقد اتفق الفقهاء على عدم جواز تحديد المسلم فيه بأوصاف خاصة، تجعله عرضة لعدم الوجود وقت محل الأجل، كأن يسلم في حنطة قرية بعينها، لإِمكان أن لا تثمر، بخلاف الولاية فإنه صحيح، أو في عنب ورطب إلى شهر شباط أو آذار، لأن العنب والرطب لا يكونان في هذا الشهر عادة، وقد ورد في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- انه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى، فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (أما من حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى) رواه ابن ماجه وغيره.
      ز- ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين في المعاوضات: فيخرج من ذلك الدراهم والدنانير لأنها لا تقبل التعيين في عقود المعاوضات.
      أما المصوغات والتبر والنقود. فقد اختلف الرواية فيها عن الحنفية، فروي عنهم إلحاقها بالدراهم والدنانير فلا يصح السلم فيها، وروي إلحاقها بالعروض فيصح.
      أما الفلوس الرائجة إذا باعها عدداً، فقد اختلف الحنفية فيها، فذهب أبو حنفية إلى جواز جعلها مسلماً فيه.
      وفي رواية عند الحنفية إلى عدم جواز ذلك.
      وذهب المالكية والشافعية إلى جواز جعل المسلم فيه أثماناً مطلقة، لأنها مما يقبل التعيين عندهم.
      فذهب الجمهور -الحنفية والمالكية والحنبلية- إلى وجوب اشتراط الأجل في المسلم فيه، فإذا جعل حالاً لم يصح.
      وذهب الشافعية إلى صحة السلم حالاً ومؤجلاً. فإذا اشترط رب السلم الأجل، جاز، وإذا اشترط الحلول جاز أيضاً، فإذا لم يشترط شيئاً، جعل حالاً إذا كان المسلم فيه موجوداً وقت العقد، وإلا فسد العقد، وقيل لا ينعقد وإن كان المسلم فيه موجوداً، لأن الأصل في السلم التأجيل. فإذا أطلق العقد انصرف إليه، وبما أن الأجل مجهول فسد العقد لهذه الجهالة، كما لو نص على أجل مجهول. إلا أن الأول أرجح عند الشافعية فيما يظهر.
الأدلة:
      استدل الجمهور لمذهبهم في اشتراط الأجل في المسلم فيه بأدلة منها:
      1- أن السلم ورد على الخلاف القياس، لأنه بيع المعدوم ووجه الاستحسان فيه الرفق بحاجة المسلم إليه، فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق بالمسلم إليه، فزالت علة الاستحسان، فعاد إلى أصل القياس، وهو المنع فيه.
      2- أن السلم ورد على خلاف القياس لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم". وما ورد كذلك يوقف فيه على ما رد به النص، وهو قد ورد بالأجل، فلا يتعداه إلى غيره.
      3- ورد في الحديث السابق التسوية بين اشتراط الأجل واشتراط بيان القدر، وبيان القدر مشروط بالاتفاق فكذلك الأجل.
      4- اشتراط تعجيل المسلم فيه يؤدي إلى المنازعة غالباً، لأن السلم بيع المفاليس، وغالباً ما يكون المسلم إليه عاجزاً عن تسليم المسلم فيه حالاً. وإلا لم يبعه سلماً. وهذا العجز يؤدي إلى المنازعة، وكل ما أدى إلى ذلك ممنوع في العقد، فيكون ممنوعاً لذلك.
أدلة الشافعية:
      1- يصح قياساً على السلم المؤجل، لأن المؤجل ثبت بنص الحديث، والحال مثله، بل هو أبعد عن الضرر منه، فيصح من باب أولى.
      2- لا حجة في قول الجمهور أن الأجل ورد اشتراطه بالحديث.
ذلك أن الحديث لم يشترط الأجل ولكنه اشترط ببيان مدته ووقته أن وجد، فإذا لم يوجد لم يحتج إلى بيان مدته، ولا دلالة في الحديث على ما وراء ذلك.
      3- ولا حجة للجمهور أيضاً في انتفاء الفائدة من هذا البيع، تلك الفائدة التي هي علة الاستحسان، ذلك أن فيه فائدة كبرى وهي جواز بيع ما ليس موجوداً في مجلس العقد عن البيع، وهو غير جائز في البيع المطلق. وهذا البيع محتاج إليه لأن البيع قد لا يكون حضراً مرئياً فلا يصح بيعه، وأن أخره لاحضار ربما يفوت على المشتري الصفقة، فيكون ذلك علة مناسبة للاستحسان، فيجوز.
      إلا أن قول الجمهور هو الأقوى، ذلك أن المسلم فيه عادة يكون بثمن أرخص من المبيع الحال، وذلك في مقابلة الأجل، وهو فائدة كبرى هي المناط الأول للخروج بالسلم من دائرة القياس من الصحة إلى دائرة الاستحسان المبيح، فإذا انتفى شرط الأجل لم يتحقق أي معنى هام للسلم فلا يصح. والله تعالى أعلم.
-ط- أن يكون الأجل معلوماً:
اتفق الفقهاء على وجوب تعيين الأجل بمدة محددة، فإذا أطلق الأجل لم يصح لما فيه من الجهالة المفضية للمنازعة، كما لو باعه وقال إلى آجل، أو آجل طويل، أو إلى آجل قصير فإنه لا يصح للمنازعة.
فإذا حدد بمدة فيها جهالة قليلة، كما لو قال إلى الحصاد أو الجذاذ، أو إلى اشتداد الحر، أو غلى هبوب الريح... ذهب أكثر الفقهاء إلى لم يصح لما فيه من الجهالة ولو كانت قليلة لأن الأوقات غير منضبطة، وهي تختلف من سنة إلى سنة فيفضي ذلك إلى المنازعة فلا يصح وذهب مالك إلى جواز ذلك ليسر الجهالة ولتعارف الناس ذلك، وقد اختلف الفقهاء في أدنى مدة الأجل بعد اتفاقهم على أن لا حد لأكثره.
فذهب بعض الحنفية إلى أنه لا حد لأقله، فيصح بنصف يوم. وذهب بعضهم إلى أن أقله ثلاثة أيام، اعتباراً بخيار الشرط،وروي أنه شهر، فلا يصح بأقل من، وهو الصحيح في المذهب، ذلك أن الشهر عند الحنفية أدنى الآجل وأقصى العاجل، كما في الإيمان، وأن السلمَ شرع لرفع حاجة المفاليس، وهي لا تندفه بما دونه غالباً .
      ومثل هذا القول روي عن أحمد وغيره من الأئمة وهو الأشهر لدى الفقهاء وذهب مالك أنه نصف شهر فما فوقه.
      ي- أن يبين في العقد مكان تسليم المسلم فيه: فإن المسلم فيه قد يكون لحمله مؤنة وقد لا يكون لحمله مؤنة، فإذا لم يكن لحمله مؤنة كسوار من ذهب، أو كأس من فضة، أو غير ذلك، لم يشترط لصحة السلم فيه تعيين مكان تسليمهباتفاق جمهور الفقهاء، لعدم الحاجة إليه.
      ذهب الشافعية إلى التفريق بين ما إذا كان مكان العقد صالحاً للتسليم كالمدينة فإنه لا يشترط، أو غير صالح كالبرية فإنه يشترط.
      فإذا عينا في العقد مكاناً لتسليم ما ليس لحمله مؤنة:
      فقد ذهب الجمهور إلى تعين ذلك محلاً للتسليم نزولاً عند الشرط. وروي عن بعضهم عدم تعين ذلك، وأن للمسلم إليه أن يسلمه للمسلم فيه في أي مكان كان، لأن هذا الشرط عبث، والأول أصح للحديث (المسلمون على شروطهم) ولأن فيه دفع خطر الطريق، فلا يكون عبثاً فيلزم.
      وإذا كان المسلم فيه مما لحمله مؤنة، كالحنطة، والشعير، والتمر، والقطن، وسائر السلع التي لها وزن أو حجم.
      فقد ذهب أبو حنيفة وبعض الشافعية إلى أنه يشترط لصحة السلم فيها تعيين مكان الإيفاء، وإلا فسد السلم، وهو المذهب عند الشافعية، وحجتهم في ذلك رفع المنازعة.
      وذهب الجمهور وبعض الحنفية، إلى عدم اشتراط ذلك في العقد، ولكن يتعين مكان العقد مكاناً للتسليم حكماً، فتزول المنازعة بذلك:
      فإذا عين المتعاقدان محلاً للتسليم، فإن كان هو مكان العقد فقد صح العقد وتعين المكان المشروط محلاً للتسليم، وإذا شرطا غير مكان العقد.
      فقد ذهب الجمهور إلى صحة ذلك وتعين المكان المشروط مكاناً للتسليم.
      وذهب بعض الفقهاء إلى فساد العقد بذلك لأن تعين مكان العقد مكاناً للتسليم من مقتضيات العقد بدليل تعينه بلا شرط عند الجمهور، وما كان كذلك تكون مخالفته مفسدة للعقد.
      والأول هو الأرجح دليلاً، لأن تعين مكان العقد مكاناً للتسليم ليس من مقتضيات العقد، وإنما تعين عند انعدام الشرط بالعرف، فلما وجد الشرط الصريح قدم على العرف، وهو المعتاد المعتمد في الأحكام الشرعية.
      4- الشروط المتعلقة بالبدلين جميعاً:
      الشروط المتعلقة ببدلي السلم معاً، هي شرط واحد، وهو انتفاء علة ربا النساء عن البدلين، وهي أحد وصفي علة ربا الفضل ذلك أن لعلة ربا الفضل وصفان:
      هما عند الحنفية القدر والجنس.
      وعند المالكية الادخار أو الثمنية مع الجنس.
      وعند الشافعية والحنبلية الطعم أو الثمنية مع الجنس(1).
      وعلى هذا إذا اتحد رأس مال السلم والمسلم فيه عند الحنفية قدراً، فكان كل واحد منهما موزوناً أو مكيلاً كالحنطة بالشعير، أو الفجل بالبصل، أو اتحدا جنساً كالحنطة بالحنطة أو الشعير بالشعير ... استويا في الجودة والرداءة أم اختلفا، لم يصح السلم، لوجود أحد وصفي علة ربا الفضل وهو القدر في المثال الأول، والجنس في المثال الثاني. وكذلك الحكم عند المالكية والشافعية إذا تحقق في البدلين علة ربا النساء أو أحد وصفي علة ربا الفضل عندهم، لأن دخول الربا في البيع مفسد له كما تقدم في البيع الفاسد.
___________________
1.     انظر باب الربا.
      لما كان السلم ثابتاً على خلاف القياس فقد احتاط الفقهاء في تنظيم أحكامه احتياطاً كبيراً، خشية الوقوع في الحرام، وقد عنوا لذلك ببيان حدود ما يجوز التصرف فيه في المسلم فيه، فأباحوا بعض التصرفات ومنعوا البعض الآخر لأدلة خاصة. وذلك خلافاً لبعض أحكام المبيع في البيع المطلق الذي جاء وفقاً للقياس. وأهم هذه الأحكام:
      1- لا يجوز الاستبدال بالمسلم فيه قبل قبضه، لأن المسلم فيه هنا مبيع منقول، ومن القواعد الفقهية في البيع عدم جواز الاستبدال بالمبيع المنقول قبل قبضه، لما في ذلك من غرر. وللاستبدال صور متعددة منها: بيعه بغيره من غير جنسه قبل قبضه، كأن يسلم في قطن فيأخذ بدله قبل قبضه دراهم أو قمحاً أو غير ذلك، ومنها المشاركة به أو غير ذلك. وأما الاستبدال به بعد قبضه فجائز كالمبيع.
      وقد خالف مالك في ذلك، فأباح الاستبدال بالمسلم فيه قبل قبضه بشروط أربعة تعرف في كتب المالكية.
      2- الإبراء عن المسلم فيه قبل قبضه جائز، لأن المسلم فيه دين، والديون تقبل الإبراء، إذ الإبراء إسقاط، والديون تقبل الإسقاط، وذلك على خلاف المبيع في البيع المطلق، فانه لا يقبل الإسقاط، لأن المبيع عين والأعيان لا تقبل الإسقاط بخلاف الديون، وهو على خلاف الإبراء عن رأس مال السلم قبل قبضه أيضاً فإنه مفسد للسلم كما تقدم من أنه يمنع قبضه، وهو شرط صحة السلم، أما المسلم فيه فلا يعتبر قبضه شرطاً فيصح.
      3- يجوز قبول الحوالة والكفالة وأخذ الرهن بالمسلم فيه، ذلك أن المسلم فيه دين، والحوالة والكفالة والرهن بالدين جائزة، فإذا أحال المسلم إليه رب السلم في المسلم فيه على رجل آخر برئت ذمة المسلم إليه، وطالب رب السلم المحال عليه لا غير، إلا أن يعجز المحال عليه فيرجع رب السلم على المسلم إليه عند ذلك، إذ أن الحوالة نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، والنقل يقتضي تفريغ ذمة المحيل، أما الكفالة فهي ضم ذمة إلى ذمة. ولذلك يكون لرب السلم أن يرجع في المسلم فيه على المسلم إليه، وعن الكفيل على حد سواء. وأما الرهن فان لرب السلم حبسه إلى حين وفاء المسلم فيه كاملا. وتكون يده عليه يد استيفاء، فيهلك عليه بالأقل من قيمته ومن قيمة المسلم فيه، وخالف في ذلك الحنبلية، لأن السلم دين غير مستقر، فلا يصح ذلك فيه.
      4- تجوز الإقالة في المسلم فيه كلا أو جزءاً، أما الإقالة في كل المسلم فيه فصحيحة بالاتفاق، لأن السلم بيع، والإقالة شرعت في البيع دفعاً لندم النادم من العاقدين، وهي في السلم أشد حاجة إليها منها في البيع المطلق، لأنه بيع بأبخس الأثمان عادة، فتكون جائزة فيه من باب أولى، وهي جائزة سواء بعد حلول الأجل أو قبل حلوله للحاجة إليها في الحالين، ولإطلاق النص المبيح وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- (من أقال مسلماً بيعته أقال الله عشرته) وسواء في ذلك أكان رأس مال السلم قائماً أم هالكاً، لأنه بمثابة الثمن في البيع المطلق، والإقالة هناك جائزة مع قيامه أو هلاكه، فكذلك هنا ثم إذا صحت الإقالة وكان رأس المال قائماً، رده بذاته إن كان مما يتعين بالتعيين، ولا رد مثله وان كان هالكاً رد مثله إن كان مثلياً، وإلا رد قيمته.
      وأما الإقالة في بعض المسلم فيه، كثلثه، أو ربعه ... فقد ذهب الجمهور إلى صحتها في ذلك البعض إذا حل الأجل، لوجود المعنى المبيح للإقالة، وهو ندم النادم.
      هذا إذا كان الأجل قد حل، فإذا لم يكن قد حل فإنه ينظر، فان لم يشترط المتعاقدان حل الباقي من المسلم فيه جازت الإقالة في الجزء، لعدم وجود المنافي لصحتها، ويبقى الباقي على الصحة إلى أجله.
      حكم السلم هو ثبوت الملك لرب السلم في المسلم فيه، وللمسلم إليه في رأس مال السلم، الأول على سبيل التأجيل والثاني على سبيل التعجيل. هذا إذا استجمع السلم كل أركانه وشروط صحته، وإلا فسد أو بطل ولم ينتج حكمه كله أو بعضه، مثله في ذلك مثل البيع المطلق.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

Please Uktub Your Ro'yi Here...